الجزء الثالث والاخيرالباحث والحقوقي
وليد الصكر
بتصرفقبيلة الجبور عام 1914 واميرها حمود بن سلطان رحلة في البادية1914 قبل الحرب العالمية الاولىالرحلة التي قام بها اسكندر يوسف الحايك والتقى خلالها بعدد من شيوخ العشائر من ضمنهم الامير حمود بن سلطان شيخ قبيلة الجبور ذلك الوقت، بعد منطقة( شدادي) في مكان يسمى (فوزية) و التقى به بتاريخ 14 نيسان 1914 .ولدواعي اظنها امنية لم يسمح الشيخ
حمود بالتقاط الصور لرجال القبيلة وفرسانها ،ولكن لانعلم هل تم التقاط صورة للشيخ
وابناءه على انفراد او في مكان اخر.
مؤسسات قبيلة الجبور الاخرىوإذ كنا سائرين والشيخ يقص علينا الأخبار انتهينا إلى خيمة جعلوها دائرة للمحاكم الشرعية دخلنا فوجدنا هنالك بدوياً جالساً على الأرض وإلى جانبه كمية من الدفاتر والأقلام الرصاصية المتعددة الألوان.
سألت: ولماذا هذه الأقلام الرصاصية الملونة فأجبت إنها لتمييز القيود الواحد من الآخر وهذه طريقة تسهل الأعمال وتسرع بإنجازها.
فالزواج مثلاً يقيد باللون الأحمر فلو جاء أحدهم وطلب الاستفادة عن يوم زواجه فتش المسجل عن ذلك في اللون الأحمر.
والقيود عندنا متتابعة فإنك ترى في الصفحة الواحدة ألواناً مختلفة دلالة على اختلاف القيود.
وقد اصطلحنا على تخصيص اللون الأحمر بالزواج، والأسود بالموت والأخضر بالولادة وهلم جرا.
سألت: وأين يتعلم البدوي القراءة والكتابة فقيل لي: هنا في القبيلة.
قلت: وهل في القبيلة مدرسة؟ قال: إن في قبيلتنا (مدرسة خوش مدرسة) أعني مدرسة عظيمة.
قلت: وهل يستقل هذا البدوي يقيد ما يلزم في هذه الدفاتر؟ قال: كلا. فإن شيخ القبيلة يؤلف مجلساً منه ومن معاونين اثنين فيقيد هذا البدوي كل ما يقره أعضاء المجلس. على أن المسائل المنوطة بالزواج والطلاق فينجزها شرعياً أحد مشايخ الدين.
قلت: ومن أين لكم شيوخ الدين وأنتم في البادية؟ قال: هم دائماً معنا واليهم نسلم تعليم الأولاد القراءة والكتابة والصلاة في القرآن الشريف.
قلت: أهي خطة جديدة سلكتم بموجبها أم ذلك قديم العهد عنكم؟ قال: هي خطتنا منذ نشأتنا وقد ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ولا جديد عندنا سوى استبدال الجلود بالورق واستبدال حبر الحشائش بالحبر الجديد والقلم الرصاص والمواضيع بالمعدل وكان أيضاً في زاوية من الخيمة بدوي ثان وإلى جانبه دفاتره وأقلامه الرصاصية وهو المولج بتدوين الأعمال المختصة بالمحاكم المدنية. وتؤلف دائرة هذه المحاكم من رئيس وعضوين يختارهم الأمير من أعيان القبيلة.
وليس للمحاكم المدنية من نظام يتمشى عليه العربان إنما لهم عادات يتمسكون بها منذ الأجيال القديمة وليس بينهم من يجهلها. والأحكام عند العرب عرفية على نوع ما غير أن العدل موجود فيما بينهم فلا حيف هنالك ولا ظلم.
وجاء بنا الشيخ إلى خيمة أخرى فوجدنا هنالك رجالاً ثلاثة وإلى جوانبهم الدفاتر العديدة وكانت هذه الخيمة دائرة (الصر) أو خزينة القبيلة أو محل الضرائب والجباية حسب اصطلاحهم وقد نظموا أعمالها على النمط الآتي:
أولاً- دفتر لقيد أسماء أفراد القبيلة. فجعلوا لكل بيت صفحتين يقيدون في أحدهما الأفراد الأحياء مضيفين إليها اسم كل مولود جديد في خلال السنة ويقيدون في الصفحة الثانية أسماء الذين يموتون من أبناء ذلك البيت وهكذا يحصون أفراد القبيلة.
ثانياً- دفتر لقيد المواشي وفيه لكل بيت صفحتان يقيد في أحدهما عدد ماشيته وحلاله ومواليدها ويقيد في الصفحة الثانية عدد المفقود منها والمباع ويجمع في آخر السنة صافي تلك الحيوانات فتؤدي الضريبة المفروضة عليه.
ثالثاُ- دفتر الغلال التي تستلمها الإدارة من كل بيت يقيدون فيه الكمية المسلمة وأسعار بيعها مضيفين إلى ذلك كل ما يتعلق بالاستبدال والمواسم وما شاكلها.
رابعاً – دفتر التسليف حلال البدوي ولم يكن عنده من المال ما يكفيه لشراء حلال جديد يأخذ من الخزينة ما يشتري به الحلال إذ لا يسع البدوي أن يعيش بدون حلال.ثم تستوفي الخزينة ما لها من ذاك البدوي في خلال أعوام معلومة تعين تبعاً للظروف. ووجدت في تلك الدائرة دفاتر خصصت بالغزوات تقيد فيها الأرباح والخسائر وتقسم على مختلف الدرجات البدوية. وقد جعلوا أيضاً في تلك الدائرة أربعة دفاتر مخصصة كما يلي:
أحدهما لقيد كل ما يدخل على الأمير من مال ومتاع.
ثانيها لقيد نفقات الأمير.
ثالثهما لقيد واردات القبيلة وهو مجموع ما يدخل عليها من سائر الغلال والمواسم والنتاج وهل جراً. رابعها لقيد نفقات القبيلة في سبيل ابتياع الأسلحة والجياد والذخيرة وهل جرا. ودخلنا خيمة أخرى وقد خصت بالذخيرة.يقوم بحراستها أربعة رجال بأسلحتهم. وقد وضعوا في تلك الخيمة الصناديق العديدة وكلها ملأا بأنواع الأسلحة. دنوت من مدير تلك الخيمة وسألته. كم عندك من الدفاتر؟ قال: اثنان فقط، أحدهما للوارد والثاني للصادر.
قلت: وماذا تعني بذلك؟ قال: نقيد الوارد هكذا. ورد إلينا في يوم كذا بواسطة فلان عدد كذا خرطوش عدد كذا وهلم جرا. وتقيد الصادر هكذا. بتاريخ كذا سلمنا بأمر مولانا فلاناً بندقية نمرتها كذا وخرطوشاً عدد كذا. والمقصود من ذلك ان يستطيع الأمير معرفة ما عنده في البيت من سلاح وذخيرة بدون ما عناء ولا تعب.
قلت: وهل لك أن تفيدني عما عندكم من البنادق في الآونة الأخيرة؟ توقف عن الجواب ناظراً إلى الشيخ كأنه يستأذنه، فأوعز إليه الشيخ أن يجيب على أسئلتنا، فكشف دفتره وأجابني فوراً. تسعمائة في المخزن.
قلت وكم هي سيوفكم؟ قال: ثلاثمائة. قلت: ومسدساتكم؟ قال: أربعمائة.
قلت: وهل تتجرون بالأسلحة؟ قال: إن الجواب على هذا السؤال منوط بمولاي الأمير. وعندها قال الشيخ لسنا نتاجر بالأسلحة على الإطلاق ولكننا نتأهب للطوارئ والمفاجئات. إذ يتفق إننا نغزو فنخسر سلاحنا ولا سبيل لنا إذ ذاك إلى استجلاب ما يغطي خسارتنا قبل مرور أشهر ستة. وهذا على أقل تعديل وهيهات أن تسلم من مصادرة الدولة (يعني الدولة العثمانية وكانت حينذاك سلطانة تلك الفيافي) بناء عليه يجب أن يكون في حوزتنا وبصورة دائمة ثلاث بدلات لثلاثمائة رجل ولذلك نرى عندنا الآن تسعمائة بندقية. وهي افضل وسيلة لنعيش بمأمن من كل خطر.
قلت للشيخ: لماذا لا تسمحون لنا بالدخول إلى بيت الذخيرة لنرى ما فيه؟ وقف الشيخ حمود هنيهة ثم قال: (ما يخالف) تفضلوا.
فقلنا: إذا كان ثمة مانع يمنع دخولنا إلى البيت فنحن نمتنع عن ذلك لأننا لا نريد خرق أنظمتكم. فضحك ثم قال: القبائل لا تفضح أسرار سلاحها وذخيرتها ولكن أنتم كرام وسوف لا تقولون شيئاً مما ترون.
فقلت له: كن على يقين إننا لا نتلفظ بكلمة واحدة يمكنها أن تضر بكم فدخلنا البيت ووجدنا صناديق على الجانبين منضدة بعضها فوق بعض حتى سقف المضرب وفي وسطه بيوت جديدة من الجلد لأجل نقل الخرطوش وبندقيات من الطراز الجديد ومسدسات وسيوف وقرب للمياه ورماح.
وأدى بنا المسير إلى المدرسة فإذا هي خيمة طويلة عريضة فيها الأستاذ وثلاثون طالباً وقد جلس جميعهم على الحضيض وما أن دخلنا حتى وقفوا على أقدامهم منادين بالصوت الواحد (ليعش مولانا وحامي حمانا) وكان الأستاذ بدوياً من أفراد القبيلة وقد اقتبس علمه في دمشق ومنها أخذ لقب (شيخ علم).
وسألت الأستاذ قائلاً: ماذا تعلم هؤلاء الأحداث؟ قال: القراءة العربية وكتابتها وصلاة القرآن الشريف. وكان في الخيمة لوح أسود لتعليم الكتابة وهو شبيه بالألواح السوداء التي نستخدمها في معاهدنا تركنا المدرسة عائدين إلى مركز رجال حملتنا وفي أثناء مسيرنا مررنا بخيمة خصت بالحرم وقد فرشت بالسجاد العجمي الفاخر ووضعوا في كل زاوية منها فراش من صوف الماعز الناعم. فلم نشأ أن نتعرض كثيراً لأمر النساء لاعتقادنا أن العرب يستهجنون البحث عن ذلك فواصلنا المسير إلى خيامنا.
15 نيسان:
إستعراض الفرساننهضنا من رقادنا حوالي الساعة الخامسة صباحاً. وكنا نتناول القهوة حين دخل علينا الشيخ حمود يدعونا لحضور الاستعراض وكان الطقس جميلاً للغاية فسألته: وماذا تعني بالاستعراض؟ أجاب: استعراض الفرسان الذين نعدهم للمنازلة لأن الحرب واقعة بيننا وبين القبيلة المعهودة بعد مغادرتكم أراضينا قلت: عفواً مولاي اعطنا بضعة دقائق فرصة لنجهز آلة التصوير. قال: أرجوكم أن لا تصوروا الاستعراض، رغماً عن كل ثقتنا بكم لا يمكنا السماح لكم بذلك. وحوالي الساعة الثامنة كنا والشيخ خارج المضارب وقد صحب الشيخ عشرة من أركان قبيلته ونصف القوة الموجودة في القبيلة. قلت: أهؤلاء كل رجالك؟ قال: لا يسعنا أن نجرد القبيلة من كل قوة. فإننا نأخذ النصف ونترك النصف الآخر لحين الحاجة. قلت: وكم هو عدد النصف؟ قال: مائتان وخمسة وسبعون فارساً. فإننا سنمرن هؤلاء قبل الظهر لنمرن النصف الباقي بعد الظهر. مشينا مسافة نصف ساعة فانتهينا إلى ساحة فسيحة وكان الشيخ راكباً جواده. فاستل سيفه وشرع ينادي فرقه هكذا:
ا- فرقة المواضي. وهي الفرقة المخصصة بضرب السيف وكان عددها خمسين فارساً وأخذ الأمير يمنحها بالهجوم والدفاع وبضرب السيف والرمح ثم امتحن الجياد وإطاعتها للحركات وما شاكل.
2- فرقة الفرسان. وهي فرقة الفرسان المسلحين وكان عددها خمسين فارساً.
3- فرقة الحرس: وهي فرقة السواري لحرس العائلة وكان عددها خمسين فارساً.
4- فرقة الأبطال. أي نخبة القبيلة وعدد رجالها خمسون فارساً.
5- فرقة المواصلات. أي الفرقة المحافظة على خط الاتصال بين القبيلة وساحة القتال. وعدد رجالها خمسون فارساً.
6- رجال الشيخ أي الفرقة التي يبقى رجالها حول الشيخ بصورة دائمة تنفيذاً لأوامره وإبلاغها إلى الفرق الأخرى. وعدد رجال هذه الفرقة خمسة وعشرون فارساً.وقد سر الأمير لدن شاهد قومه على أتم الاستعداد للنزال، وعند الساعة الواحدة بعد الظهر عدنا جميعاً إلى المضارب وكان العربان ينشدون الأغاني الحماسية إكراماً لأميرهم. وما زلت اذكر منها ما يلي:
يا شيخنا يا شيخ حمود
رجالش (رجالك) شلها (كلها) أسود
بالحرب لا نخشى الوعود
ولضيوفكم نحفظ عهود
بوادي العدس باشر (باكر) تشوف
خيولنا صفوف صفوف
ورماحنا مع السيوف
ورصاصنا باشر تشوف وكنا دعونا الأمير لتناول طعام الظهر على مائدتنا فقبل الدعوة شاكراً. وبعد الغداء ذهبنا معه لاستعراض البقية من فرسانه وكانوا موزعين نظير الذين تقدموهم. وانتهى الاستعراض عند الساعة السادسة مساء فرجعنا جميعاً إلى المضارب. وعندها دعانا الشيخ إلى العشاء وما دقت الساعة الثامنة مساء حتى دخلنا بيت الأكل فإذا هو خيمة منارة، مع أن العرب لا يستعملون النور فأردنا أن نعرف ما هو شكل النور المستعمل في تلك الخيمة فلم نر شيئاً من أدوات ظاهرة للعيان سألت الشيخ: ما هذا النور فأدخلنا وراء الستار وجدنا مصابيح معلقة ومن حولها العبيد تراقبها خوفاً من الحريق. تناولنا العشاء على مائدة شيخ القبيلة (وكان عشانا حلال صغير لذيذ جداً) وقد نصح لنا أن نسافر ليلاً ملافاة للطوارئ. ورقدنا في تلك الليلة نحواً من ساعتين نهضنا بعدهما نعد عدتنا للرحيل. وعند الساعة الواحدة صباحاً أقبل الشيخ حمود لوداعنا وقد تلطف فقدم لنا أربعة من رجاله البواسل يرشدوننا إلى الطريق السلطاني. فساروا على طريق خاص وعر وكان الجو صافياً والقمر منيراً فساعدنا ذلك على المسير سراعاً، وكانت السكينة سائدة لا نسمع سوى وقع حوافر الدواب لأننا كنا نزعنا الأجراس والقلائد من رقاب البغال ومنعنا المكارية من الغناء.
انتهىاضغط هنا للذهاب الى فهرست الموضوع