مهنة تتطلب الفطنة والفراسة وقوة الملاحظة
"قصاصو الأثر" بموريتانيا يعانون تعب الصيام ومنافسة "الجوال"
قصاصو الأثر يعانون من العطش وحر الصحراء في رمضان نواكشوط- سكينة اصنيب
يعاني أصحاب المهن الشاقة أثناء أداء مهامهم في شهر رمضان، بسبب ظروف العمل وحرارة الطقس خاصة ان رمضان هذا العام حل في فصل الصيف، ويضطر بعض العمال في موريتانيا الى تحمل مشاق الصيام وصعوبات المهنة والظروف المناخية لتأمين احتياجات أسرهم التي تزداد في رمضان، فلا يمكنهم التخلي عن مهنتهم في هذا الشهر بداعي صعوبة العمل في رمضان لأنهم ملزمون بتغطية مصاريف أسرهم، بل ان بعضهم يضطر للعمل ساعات اضافية بسبب ضغط العمل أو بسبب الرغبة في زيادة الدخل لتغطية مصاريف رمضان والعيد والمدارس.
ومن بين أكثر هذه المهن صعوبة في موريتانيا "قص الأثر" وهي مهنة يقوم بها بعض رجال البدو المعروفين باجادتهم لقص الأثر بفضل ما وهبهم الله من قوة الملاحظة والبصيرة، حيث تمكنوا من كشف سر العديد من الأحداث والجرائم الغامضة وعثروا على التائهين في الصحراء كما استعانت بهم الجهات الأمنية لتعقب المجرمين والارهابيين والجنود الذين تعرضوا لاعتداء ارهابي.
وتتطلب هذه المهنة مجهودا عضليا كبيرا يستنزف طاقة الشخص لاسيما في شهر رمضان، حيث يقوم قصاص الأثر بقطع عشرات الكيلومترات في الصحراء القاحلة وتحت اشعة الشمس الحارقة ويتفحص الأرض بين الفنية والأخرى بحثا اثر شخص أو حيوان وتستمر مهمته الى ان يتوصل الى نتيجة مقنعة اما بالعثور عما كان يبحث عنه أو بالكشف عن سر الجريمة أو الحادث الذي يحقق فيه، ويدوم سفر مقتفي الأثر في الصحراء اياما عدة يكون في أغلبها وحيدا وهو ما يحرمه من الاستمتاع بقدسية هذا الشهر الفضيل وما يتخلله من طقوس وعادات اجتماعية.
تأثير المحمولويقول محمود ولد المنا قصاص اثر معروف في شمال موريتانيا ان الناس تلجأ اليه في أغلب الأحيان من أجل ان يعثر لهم عن قطيع من الابل ضلّ في الصحراء أو عن شخص تاه بعد ان ابتعد عن أهله في الصحراء مشيرا الى ان الهاتف المحمول واتساع شبكة التغطية في البوادي أثر على مجال عمله وقلّص من فرص لجوء الناس اليه عندما يتوه أحدهم لأن اتصالا هاتفا واحدا كاف لوصول الاغاثة اليه.
وأضاف ولد المنا أنه كان يكلف فيما سبق بفك لغز الجرائم من سرقات وقتل أما اليوم فقد اصبح عمله مرتبطا اساسا بالعثور على التائهين في الصحراء، كما يكلفه بعض البدو بالكشف عن المسؤول عن الاعتداء على مضاربهم وقراهم الصغيرة وسرقة بعض رؤوس الأغنام والابل.
وأوضح ان اقتفاء الأثر يتطلب الصبر والجلد والدقة وقوة الملاحظة والاستنتاج وعدم اهمال التفاصيل فعمل قصاص الأثر اشبه بعمل المحقق، وأضاف ان تعلم هذه الصنعة مرتبط بممارستها منذ الصغر فهي موهبة من الله يمكن ان تتطور مع الشخص اذا اهتم بها وتدرب عليها منذ الصغر وحرص على التجول والسفر في الصحراء ورفع آثار الانسان والحيوانات وملاحظة الفرق في كل حالة.
انقاذ التائهين في الصحراءوقال أن "قص الأثر تكتنفه صعوبات كبيرة، لا سيما في شهر رمضان، كما ينطوي على مسؤولية كبيرة لأن انقاذ حياة شخص تائه أو الكشف عن هوية مجرم مسؤولية يجب ان يتولاها القادر على تحملها، لكن ما يخفف عنا هذه المسؤولية هو الاحترام والمكانة العالية التي نحظى بها في البادية".
وأكد أن قص الأثر كان أكثر سهولة ويسرا في الماضي كما كان يحظى بتقدير أكبر من الآن لأن الناس لم تكن لديها وسائل الاتصال والأجهزة الأمنية المتخصصة بكشف الجرائم، وبيّن ان الفرق بين قص الأثر قديما وحديثا قائلا أن "البادية كانت مقسمة إلى قبائل وفي كل منطقة هناك قبيلة او عشيرة كما كان عدد السكان قليلا وعدد القادرين على ارتباك الجرائم أقل، وحين نجد أثر شخص متهم بارتكاب جريمة متجها الى منطقة معينة تقطنها قبيلة معروفة فان ذلك يساعدنا على حصر دائرة المتهمين وتبرئة الآخرين، أما اليوم فإن قصاص الأثر يقع في حيرة كبيرة لأن المجتمع البدوي لم يعد معزولا كما في السابق وأصبحت عملية تعين الجهة التي جاء منها صاحب الأثر صعبة للغاية"، مشيرا ان قصاص الأثر يحتاج بين فترة أخرى الى الرحلات الخلوية لزيادة مهارات قص الأثر مما سيمكنه من أداء مهمته بسرعة ونجاح وسيساعد في اكتشاف الحوادث الغامضة.
وقام قصاص الأثر محمود ولد المنا بالكشف طيلة مشواره المهني عن حوادث وجرائم كثيرة كما بحث عن اشخاص تاهوا في الصحراء ونجح في العثور عليهم أحياء وأحيان أخرى وجدهم بعد ان اسلموا الروح الى بارئها بسبب نفاذ الماء والأكل وحرارة الشمس والمشي المتواصل بحثا عن منقذ، لكنه يرفض ما ينسب لقصاصي الأثر من قدرات تصل في بعض الأحيان إلى مستوى الأساطير والخوارق، مثل تحديد لون وطول وعرض وملامح الشخص وتأكيد وجود علامات فارقة في جسده.