الحب لايتكلم كثيرا

الحب لايتكلم كثيرا)

الحب لايتكلم كثيرا…..الانسان الذى يتكلم كثيرا .ويصافحنا فى عنف وحراره ويؤيدنا ويجاملنا فى كل مانقوله .ويسال عنا دائمابسبب وبدون سبب .هذا الانسان نسميه غالبا انسانا عاطفيا .ويحدث ان نتعرض لبعض التجارب القاسيه تجارب من ذلك النوع الذى يكشف لنا معادن الناس .ونلتفت حولنا ثم نكتشف شيئا عجيبا فاالانسان الذى سحنا بحرارته واندفاعه قد اختفى ونحن نصارع التجربه القاسيه وحدنا ونمر بالازمه العنيفه بل قد نكتشف ماهو اعجب من ذلك اذ يحدث ان تكون الازمه التى نمر بها من صنع هؤلاء الذين ظهروا امامنا دائما بمظهر العاطفيين المندفعين نحونا فى حراره ودفىء ..وهذا التناقض بين المظهر والسلوك يثير سؤالا هاما :فمن هو الانسان العاطفى ؟ وكيف تعبر العاطفه الصحيحه عن نفسها ؟ لقد اثبتت التجارب الانسانيه الكثيره ان هؤلاء الذين يلجاون الى زخرفه عواطفهم بالكلمات المثيره .والحماس الخارجى الحاد .هم فى الحقيقه ابعد الناس عن العاطفه الصحيحه الصادقه .فاالعاطفه فى حد ذاتها جمال وزخرفه طبيعيه للحياه .وهى تعطى صاحبها اكتفاء وسعاده داخليه ثم تخلق فيه احتراما لهذه العاطفه .فلا يمكن ان يبعثرها فى مناسبات مبتذله بل ينتظر دائما الفرصه الحقيقيه للتعبير عن عاطفته فى بساطه صادقه ..ان العاطفه الناضجه الصادقه فانها تحرر من العناصر الدخيله الزائفه حتى تصبح عاطفه سليمه .وحتى تعبر عن نفسها تعبيرا مناسبا .وارقى مقياس للعاطفه الصادقه هو (ضبط النفس )..حتى لاينساق الانسان مع اوهامه ومع مشاعره الاولى التى ينقصها النضج والتجربه . وحتى ولو كانت هذه المشاعر الاولى عنيفه .. فمن الافضل ان يكون لهذه المشاعر (لجام )يحد منها حتى تسير بقوه نحو هدف . ولاتكون جامحه عديمه الاتجاه تجرى فى اى طريق .. فاالاستسلام للعاطفه الزائفه كما يقول احد علماء النفس(يحدث فينا انطباعات مزوره عن الاشياء الخارجيه ..كما ان هذا الاستسلام هو نوع من الخداع الذاتى .واحدى درجات الضعف العاطفى ..فصاحب العاطفه القويه الثابته التى لايصيبها تبدل وتغير سريعان لايلجا دائما للمبالغات او يهتم بها وانما يفعل ذلك صاحب العاطفه الضعيفه انه يلجا الى الزخارف والمبالغات والطقوس الكثيره التى تخلو من البساطه والوداعه وهما علامتا العاطفه الصادقه الناضجه ..وهذا هو سبب الذى يجعلنا نرى هؤلاء الذين يعلنون عواطفهم بعنف وهم يسلكون سلوكا متناقضا لعواطفهم الظاهره التى اعلنوها من قبل عندما يتعرضون لتجربه عميقه ..انهم فى هذه الحاله اشبه بالوجه القبيح الذى اخفى نقصه بالروج والمساحيق والعطور ..ثم عندما تذوب هذه الوسائل المصطنعه يبدو الوجه على حقيقته خاليا من الجمال والوسامه ..عندما نفتح الصفحه الاولى من الروايه الرائعه (الساعه الخامسه والعشرون ا.التى كتبها كونستتان جيورجيو )تجد البطل وهو يتهيا لسفر بعيد ورحله طويله ويخفق قلب حبيبته البسيطه التى تشعر نحوه بعاطفه عميقه كبيره وهى لاتستطيع ان تقاوم قرار رحلته بعيدا عنها ..رغم ان حياتها بدونه لامعنى لها ولاطعم ..انه بالنسبه لها جمال الحياه وعذوبه الدنيا وروعه الطبيعه ..وترجو البطله حبيبها ان ينتظر قليلا .انها تريد ان تحدثه فى امر هام قبل ان يرحل وبعد تردد يستجيب البطل ويجلس على العشب ثم يسترخى قليلا ويستعد لسماع الكلمات الهامه التى تريد حبيبته ان تقولها له وتبدا هذه الحبيبه البسيطه الصادقه فى الحديث .فما هو الشىء الذى تريد ان تقوله ؟. انها تبتسم فى وداعه حزينه ثم تقول وهى تعبث بشعر راسه .(ان السماء صافيه والنجوم جميله )وتواصل حديثا من هذا النوع الذى يشبه الثرثره التى لاقيمه لها ..؟ انها لم تقل له .احبك ولم تحدثه عن رحلته الطويله البعيده الخطيره التى ربما لايعود منها ابدا .ولم تحدثه عن رايه فى مستقبلها ..ماذا تفعل بعده ..ولم تطلب منه ان يعدل عن رحلته .ولم تذرف دمعه ..كل ماقلته هو ثرثره بسيطه تريد بها ان تقضى معه لحظه .ومن خلال هذه الثرثره المفاجاه تشعر كم تحبه بدون ان تقول كلمه حب ..ان اقصى ماتتمناه هو ان تقضى معه لحظه اخرى .. مجرد لحظه تملؤها باى شىء فهذه اللحظه التى لااهميه لها من الناحيه الزمنيه ..لها اهميه من الناحيه النفسيه .. انها لحظه ثمينه غاليه .. ويرحل الحبيب بعدها .. وتشعر كانها حققت شيئا كانها امتلكت شيئا ..هذه هى العاطفه العميقه ..تعبر عن نفسها ببساطه وبدون صخب او ضجيج وبابسط الصور.. وماينطبق على عاطفه الفرد . ينطبق ايضا على عاطفه الجماعه . وهناك فكره شائعه اننا شعوب عاطفيه يتميز فيها الانسان بالحراره والانفعال الشديد مع كثره الطقوس الاجتماعيه العنيفه التى تعبر عن عواطفنا الخاصه فى افراحنا ومناسباتنا الخاصه ليراه الجميع هنا يتضح ان عاطفه الفرح تعبر عن نفسها بمظهر اجتماعى يسبق ويفوق المظهر النفسى الانسانى الذى يتصل بنفسيه العروسيين وحدهما وهذا المظهر الاجتماعى للفرح هو مظهر صاخب لاعلاقه له بلشعور العميق الذى يستقر داخل الانسان ويدفىء قلبه ومشاعره .وفى مجتمعاتنا العربيه تبرز فيها هذه العاطفه بعنف فالانسان فيها لم يتعود تلك الصفه الاساسيه للعاطفه الناضجه وهى ضبط النفس و قد وسعت من سلطان تلك النزعه التى ينقصها النضج هذا هو ميراثنا العاطفى القديم عاطفه زائده نتعامل مع الحياه بمظاهر اجتماعيه تعتمد على الزخارف الكثيره فالانسان يجب ان يعيش حياه بسيطه وعاليه الهدف فى الوقت نفسه فاصحاب العاطفه الكبيره فى الوقت نفسه اصحاب العاطفه الكبيره هم الذين يراقبون مشاعرهم فلا يقولون كل مايحسون به بل يقولون اجمل واهم ما يحسون به فى ابسط صوره كلماتهم قليله لكنها غنيه سهله وعميقه فالسلوك الانسانى والعلاقات بين الناس كاالحب والصداقه وكذلك الفن باعتباره تعبيرا عن العاطفه كل هذه الاشياء تخضع لقاعده واحده تكون راقيه هى قاعده ضبط النفس ويجب ان نتخلص كلها من المبالغه والزخارف وننتهى من الصوت المرتفع وكثره الكلام والثرثره الى الهمس والعزف النقى الذى يختار الموسيقار نغماته باناقه ورقه وعمق بهذه الطريقه تصبح عاطفيين حقا (سامى لبن)