حالة من الغليان المكبوت الأحداث
المتتالية التي عصفت بالساحة المحلية أخيرا، لم تكن وليدة الساعة، لم تظهر
ولم تطفُ على السطح ما بين ليلة وضحاها كردة فعل، كما يحاول ان يُسطحها
البعض، بل هي موروثات متراكمة وافرازات لمراحل تغيرات متسارعة طرأت على
المجتمع، ساهمت في خلخلة بنية هذا المجتمع، ونحن كمجتمع له خصوصية في
تركيبته، نمر كما تمر سائر المجتمعات بتغيرات، ننتقل من المجتمع التلقائي
البسيط الى المجتمع الحديث، تميزنا تلك الطفرة الحضارية الاقتصادية التي
نقلت المجتمع الى اعلى سلم الرقي مخلفة فجوة ثقافية هائلة.
تلك الفجوة
لا بد من ان تلقي بتبعاتها وترخي بظلالها، بشكل مباشر أو غير مباشر، على
بنية المجتمع وتركيبته، ناهيك عن التغيرات الديموغرافية الهائلة، ثم الحدث
الاكبر الذي عصف بالكويت ليدون في سجل التاريخ المعاصر بالحدث الاكبر الذي
هز العالم منذ الحرب العالمية الثانية والذي تمثل بالغزو الصدامي الغاشم.
فكان لا بد ان يترك من آثار ستستمر فترة طويلة.
نحن أيضاً مجتمع لا
ننفصل عن العالم وما يدور في الساحة الدولية من صراعات وحروب، فالثورة
التكنولوجية والفضائيات المفتوحة جعلت من العالم قرية كونية، فما يحدث في
أي بقعة في العالم يصل إلينا بسرعة متناهية مسموعة ومرئية ومن موقع الحدث
مباشرة. ذلك الإعلام المرئي بكل وسائله واستخداماته وتسخيره أصبح السمة
الأبرز لاسيما حينما وقع بين أيدي شعوب ما زالت تعاني من الفجوة الثقافية
الحضارية، فكان تعاطياً سلبياً في كثير من الأحيان.
وفي ظل وزحمة تلك
السماوات المفتوحة والفضائيات واستخدام الإعلام كان لها ردة الفعل المباشر
في محاولة للملمة المجتمعات نفسها في طريق البحث عن الهوية الضائعة، اتخذت
أشكالاً متعددة بالرجوع إلى الموروثات القديمة، فظهرت العنصرية والعصبية
والطائفية في بحث حثيث عن الهوية وحمايتها من الذوبان والغرق في لجة بحر
هائج متلاطم الأمواج.
نعيش اليوم في مجتمع لم يعد ذلك المجتمع الطاهر
البريء، بل اننا نعيش في مجتمع يخضع لدولة المؤسسات، يحكمنا الدستور
وقوانين الدولة التي تحاسب وتعاقب كل من يخرج على تلك القوانين. ومع مرور
العصور كان هناك من يحاول الخروج على القانون، ولكن بفعل تحكيم الموضوعية
والخضوع لسلطة الدولة والقانون كانت الفيصل في حسم القضايا، وعلى مر العصور
ايضا خرجت الكثير من الجماعات والطوائف والتيارات وحتى الافراد الذين
يحاولون ان يستفردوا ويستنفروا بعصبيتهم بأفكار وافعال سلبية، فكانت هناك
القوانين الحاسمة التي حسمت تلك الموجات التي حاولت ان تتخطى سلطة القانون.
لا
وقت اليوم لاقامة الندوات وبث وسائل التوعية، بل اليوم للقضاء وساحة
القضاء وتفعيل قوانين الدولة لتحد من تلك الهوجة العاصفة فنحن لا نعيش في
غابة شديدة التوحش.
المصــــــدر