وهنا نجد أن من النافع أن نقتبس لقطات من كتاب (رحلة نيبور) في القرن الثامن عشر وكتاب (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) لكي نعرف مدى يقظة الكفار وتخطيطهم واطلاعهم على أوضاعنا وحالاتنا ومدى الجهل في بلادنا ولكي نكون على علم ببعض جذور ما يجري الآن في بلادنا ولأجل الإلماع إلى ما كان فيه العراق من الضعف السياسي والإجتماعي والاقتصادي مما آل إلى الاستعمار الذي نشاهده اليوم، فبينما كان الغربيون في أشد اليقظة للإنقضاض على بلاد الإسلام، كان المسلمون يغطون في نوم عميق، وبين ذا وذاك سقط العراق بأيدي الغربيين وقد رأينا العراق قبل نصف قرن تقريباً وعشنا في ربوعه فكان بلداً في غاية التأخر من النواحي العمرانية والاقتصادية والسياسية وكان الناس يلتزمون بالشعائر الإسلامية نوعاً ما، لكن زالت معالم الإسلام تدريجياً بانتشار المخامر والمقامر والملاهي والمباغي والمصارف بسبب إصرار حكومة الملكيين ثم الجمهوريين حتى وصل الأمر إلى قبض حكومة عفلق بالزمام مما أزاح كل معالم الإسلام، وإنما ذكرنا هذا الفصل لنعرف جذور المشكلة فنعالجها بإذن الله تعالى، وأنا لا أريد تصديق كل ما في الكتابين وإنما أردت الإلماع فقط، وإلا فعلى المحققين أن يميزوا الغث من السمين، كما أن سائر بلاد الإسلام ابتليت بما ابتلى به العراق قديماً وحديثاً، فعلى ممارسي التغيير الاهتمام لمعرفة الجذور ومعالجتها لعل الله سبحانه يهيء للمسلمين حكومة إسلامية واحدة بسبب الوعي الكامل، والهمة العالية وما ذلك على الله بعزيز. كان العراق في سالف الأيام مركزاً لتمدن السومريين والبابليين والآشوريين وأخيراً صار مركزاً للتمدن الإسلامي، وكانت بغداد مركزاً لهذا التمدن وقبلة ترنوا إليها أنظار الشرق. الحروب الصليبية كانت البوابة الرئيسية لدخول الاستعمار في الشرق. لذا عملت الحكومات الغربية على التغلغل في البلاد الإسلامية من أجل استثمار الثروات الطبيعية ومنابع المواد الخام الغنية وجعلها سوق رائجة لمنتوجاتها الاستهلاكية، وأرادت أن تدخل الشرق بعناوين براقة وأساليب مموهة فتذرعت بالارتباط بالدول الإسلامية وبإرسال السوّاح والذين يطوفون حول العالم بأعداد هائلة بالإضافة إلى أن الاستعمار قصد تحطيم بلاد الإسلام لأجل إزاحة الإسلام عن الحياة. مجموعة نيبور: في القرون الثلاثة الأخيرة كانت مجموعة (كارستن نيبور) من أهم المجموعات الأوروبية الغربية التي تسللت إلى بلاد الشرق وكان ذلك قبل مائتي عام. لقد تولد (كارستن نيبور) من فلاح ألماني من ضاحية (سيليزيا) في مدينة.. (لدنغورث) في محافظة (لاونبرغ) في 17 آذار 1773، وكان يساعد أباه في الزراعة، وعندما أكمل دراسته الثانوية التحق بجامعة (كوتنكن) من أجل تحصيل علم الرياضيات وعلم الفلك. في عام 1760م جهز ملك الدانمارك فردريك الخامس مجموعة من أجل إرسالها إلى بلاد الشرق الأقصى وجنوب شبه الجزيرة العربية، وأرسل في طلب نيبور من أجل الإنضمام إلى هذه المجموعة. بناء على هذا في يوم 4/ كانون الثاني عام 1861م كان على متن الباخرة الدانماركية المسماة (كرينلاند) خمسة أشخاص مختلفي الجنسية وعلى عاتق كل منهم مهمة تختلف عن مهمة الآخرين، واثنان منهم ألماني الجنسية وآخران من الدانمارك والخامس من السويد وأعمارهم لا تزيد على الأربعة وثلاثين عاماً ولا تنقص عن الثمانية وعشرين عاماً، وهم: 1 - البروفسور بيتر فردريك كريستيان فون هافن (دانماركي) رئيس المجموعة ومسؤول مركز تحقيقات ومعرفة الألسن واللغات القديمة. 2 - الدكتور كريستيان كارل كريمر (دانماركي) متخصص في تحقيقات العلوم الطبيعية. 3 - الضابط المهندس كارستون نيبور (ألماني) الذي أوكلت إليه مسؤولية التحقيقات الجغرافية والفلكية والرياضية. 4 - الهر جورج ويلهلم بورينفذ (ألماني) مسؤول رسم الفنون وحفرها وطباعتها على النحاس. 5 -البروفسور بيتر فورسكال (سويدي) طبيب المجموعة ومتخصص في علم النبات. وأبحرت الباخرة الدانماركية كرينلاند صباح 4/1/1761م من ميناء كوبنهاكن وتوجهت إلى تركيا ومصر والسويس وجدة واليمن. وزاروا خلال هذه الرحلة اليمن وتعرفوا إلى أحوالها وطبيعتها ومنابعها ثم توجهوا إلى مدينة بومباي الهندية وفي هذه الرحلة مات جميع أفراد المجموعة باستثناء نيبور. فصمم هذا على الذهاب إلى الصين إلا أنه مرض مرضاً جعله يلتزم بحمية غذائية لمدة ستة أشهر وعندما استعاد صحته صمم على العودة إلى وطنه وبعث مع أول باخرة تقصد لندن جميع الأوراق والتحقيقات والخرائط والتقارير التي جمعتها مجموعته للحفاظ عليها من التلف والضياع، أما نيبور فغادر بومباي الهندية قاصداً بندر عباس، ثم شيراز وبعد توقف طال أربعة وعشرين يوماً إلى بوشهر. نيبور يتوجه إلى البصرة: ومن هناك وفي يوم 28/5/1765م توجه إلى البصرة. ورسم خارطة البصرة و 73 محلة منها، كما رسم 25 نوعاً من أنواع تمرها ورطبها مع شرحها. وتلبس بالملابس العربية وغيّر اسمه فصار (عبد الله) من أجل التحفظ من حساسية الناس تجاه الأوروبيين والغربيين. وبعد مدة من الزمن عاد نيبور إلى بلاده ثم زار البصره مرة ثانية وفي رجوعه من العراق إلى بلاده زار مدينة الموصل وحلب وديار بكر وأنطاكية والإسكندرية ويافا والقدس وعكا وصيدا وصور وطرابلس الشرق واللاذقية ودمشق واسطنبول وقوتيه وبورصه واورند قرب حدود بلغاريا، وبخارست ووارشو وبرسلا وألمانيا ثم انتهت جولة نيبور. وكلفت هذه السفرة الحكومة الدانماركية حوالي خمسين ألف جنيه استرليني بقيمة هذا اليوم. خرائط نيبور: واستطاع نيبور أن يرسم خرائط صنعاء وشيراز (برسبوليسر)، والبصرة وبغداد والموصل والنجف الأشرف والقدس، ودمشق والبحر الأحمر، وبعض هذه الخرائط لحد هذا اليوم يستفاد منها في كل العالم. ولقد عثرت مجموعة نيبور على خطوط وكتابات مسمارية كثيرة كانت مكتوبة حول التمدن في الشرق. وكانت لهذه الخطوط والكتابات المسمارية أهمية كبرى في علم التاريخ وفي علم الآثار والمتاحف بالنسبة للشرق. وعندما عاد نيبور إلى ألمانيا كتب كتابه حول السياحة إلى الشرق تحت عنوان (صنعة جزيرة العرب) وطبعه، وبعد ذلك ترجم إلى اللغة الإنكليزية والفرنسية، ثم ترجم القسم المربوط بالعراق إلى اللغة العربية تحت عنوان (رحلة نيبور إلى العراق). أن القسم الخاص بالعراق من رحلة نيبور على ثلاثة فصول: الفصل الأول: سفرة نيبور من البصرة إلى بغداد. الفصل الثاني: سفرة نيبور، من بغداد إلى الموصل. الفصل الثالث: وصف مدينة الموصل وشمال العراق. بغداد قبل ثلاثة قرون: بغداد في الخريطة التي وضعها نيبور كانت على الوضع التالي: 1 - باب المعظم (أو باب السلطان). 2 - الباب الوسطى. 3 - باب الطلسم. 4 - باب الظلمات (الباب الشرقي). 5 - صوقابي (باب الجسر). 6 - بطرية المدافع. 7 - السراي (قصر الباشا). 8 - مدرسة المستنصرية. 9 - منارة سوق الغزل. 10 - ضريح الشيخ عبد القادر (الكيلاني). 11 - تكية البكتاشية. 12 - مرقد الست زبيدة. 13 - ضريح بهلول دانه. 14 - قبر يوشع. والقسم الأعظم من المدينة متهدم وغير مسكون، والقسم المسكون كائن على ضفتي نهر دجلة وقرب قصر الباشا، وبغداد بالنسبة إلى بقية مدن الشرق أكثرها سكاناً وحدائقاً وأسواقاً، وشوارعها ضيقة ومليئة بالأزقة والفروع وبيوتاتها من الحجر وعالية تقريباً. ولأن هندسة بيوتها خاطئة وغرفها ليست صالحة للسكن في فصل الصيف لذلك عمدوا إلى إنشاء سراديب يلجأون إليها في هذا الفصل القائض. وفقراؤها عراة اتخذوا الشوارع والأزقة مساكن لهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء. والسور الذي بني حول بغداد ليس صالحاً للمقاومة والدفاع عن المدينة، والخندق أيضاً خال من الماء وهذا الوضع الدفاعي المتردّي لهذه المدينة يسمح ويساعد على دخول القوات الأوروبية بكل سهولة. أما الجانب الغربي من المدينة، ففيه قلعة صغيرة تعرف باسم قلعة ايج، لحفظ البارود وكان يحرسها مجموعة من القوات النيجرية. وكانت القوات النيجرية مرتاحة من حيث أداء مهمتها، وذلك أنها في غرفة الحراسة يقضون أوقاتهم بلعب النرد. وكان في بغداد مكان يشبه في وضعه (حسينية) يسكن فيه أعداد من الدراويش التابعة بعضها للبكتاشية وبعضها للمولوية وقسم منها للرفاعية، وآخرين للنقشه بندية، والقلندرية والشاكرية، وكان أيضاً مكان آخر تابع لأصحاب الشاكرية وهو مأوى الفقراء المسلمين القادمين من الهند. إن مؤسس الطريقة القادرية هو الشيخ عبد القادر الكيلاني الذي ولد في عام 560 هجرية وعاش 90 سنة. وفي القسم الغربي من بغداد توجد بساتين واسعة غير آهلة بالسكان، والقسم الذي ينتهي ببغداد القديمة يقع فيه مرقد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام). والمعبد أو المكان الذي كانت تجتمع فيه البكتاشية في بغداد قد بناه قليج أرسلان ابن الملك مسعود السلجوقي في عام 584 هجري وفي بغداد أيضاً قبر زبيدة زوجة هارون الرشيد التي ماتت في سنة 216 هجري وحسن باشا قد دفن زوجته عائشة بين مصطفى باشا بجوار زبيدة. وقبر العالم المشهور بالكرخي أيضاً في بغداد، وكان اسمه سابقاً (أبو ظاهر) وهو قد بدّل كلمات (الأب) و (الأبن) و (روح القدس) إلى (بسم الله الرحمن الرحيم) لذلك أخذته أمه وسجنته في السرداب لمدة أربعين يوماً بلياليها ومنعت عليه الغذاء إلا الماء والخبز، وبعد أربعين يوماً عندما أخرجته من السرداب رأت أن حاله أحسن من السابق فتعجبت لذلك وقالت: لا بد وأن روحاً خبيثة قد دخلت بدنك فطردته لذلك، أما هو فقد ذهب إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) باب الحوائج وتوسل به وأسلم وأصبح بعد ذلك من أعاظم المدينة يشار إليه بالبنان. أن (نيبور) قد ذكر في مذكرته المسماة: رحلة نيبور إلى العراق حوالي ثمانية وأربعين اسماً من ولاة الأتراك في الدولة العثمانية الذي نصبوا من قبل الحكومة العثمانية على بغداد وأول هؤلاء الولاة كان (كوجك حسن باشا) (1048- 1049هـ) وآخرهم كان عمر باشا (1178هـ). ومنذ أن تسلم عمر باشا السلطة صمم على إبادة قبيلتي خزعل وكعب إلا أنه لم يوفق لذلك. الوالي العثماني: وفي زمن الدولة العثمانية كان الدستور لا مركزياً وذلك لأن الوالي كانت جميع الأمور (حتى القوة التشريعية) بيده ولا يرجع إلى الحكومة العثمانية في أي أمر من الأمور. نعم، كان الوالي يرجع في الأمور المهمة جداً إلى الشورى المنتخبة من قبل المدينة ويوكلها إليهم، وهم عبارة عن: 1 - الشيوخ ومنفذي الأمور، وهم حاكم مقاطعة البصرة وحاكم ماردين وجميع حكام المدن السابقين. 2 - باشا آقا وهو رئيس فرقة الخيالة (رئيس اللاوند). 3 - الآقا أو الرئيس الأعلى للقوات النيجرية. 4 - رئيس العلماء (وهو الذي ينتخب من قبل علماء المدينة). 5 - القاضي أو (حاكم المدينة) وهو من جماعة الملالي. 6 - مفتي المذهب الحنفي. 7 - مفتي المذهب الشافعي. 8 - نقيب الأشراف ورئيس كل السادة وهو من سلالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) . 9 - خطيب مسجد شيخ عبد القادر الكيلاني. 10 - خطيب مسجد أبي حنيفة. الباشلق: من أهم المدن التي كانت تابعة لولاية الباشلق هي: البصرة، وأربيل، وماردين، والديوانية، وقزانى، والرماحية، والنجف، وكربلاء، والطاووق، والطون كوبري، وقره طاغ، ومندلي، وبدرة، وخراسان، ومهروت وبهرزو، قزلرباط، وخانقين، وقصر شيرين، وشهربان، وحرانية، ونيكجة، وبروان، ودجيل، وتكريت، وسامراء، والدور، وزنكاباد، وبلاد دروزين (بلد روز)، وخزنابات، وعانة، وجبة، وهيت، وحديد، والروس، وكبيسة. وكان العرب (وهم البدو الرحل) وبعض المجموعات الأخرى، لا يرضون أن يسودهم الباشا وهو الحاكم التركي بل كانوا يريدون أن يترأسهم ويسودهم واحد من رؤساء عشائرهم. كردستان: أما كردستان فهي أرض وافرة الزرع كثيرة النعمة تجود على أهلها بالتين والعنب والقطن والرز وغيرها من المحاصيل الزراعية المهمة. أما لغة سكان كردستان فخليط من ثلاث لهجات أو لغات: 1 - الكلدانية. 2 - العربية. 3 - التركية. فترى لهجة مشكلة من الكلدانية والعربية، وأخرى تحتوي على مفردات تركية كثيرة. ومن الصفات البارزة عند الأكراد والتي تستولي على طبعهم هي الشجاعة. الموصل وشمال العراق: يقول نيبور: في أثناء سفرتي إلى شمال العراق رأيت مجموعة من اليهود قدموا إلى الموصل لغرض الاستجمام والسياحة، فوقعت حادثة نزاع بين مسلمي الموصل وهؤلاء اليهود، وكان اليهود خائفين جداً. ويضيف نيبور: إن اليهود جبناء جداً وأذلاء، وهم يعيشون تحت سلطة المسلمين بذلة وهوان، ولم يفكروا يوماً أن يرفعوا السلاح بوجه الحاكم التركي على فلسطين ويأخذوا حقوقهم ولا أن ينتزعوا فلسطين ليجعلوها بلدهم ودولتهم. وفي (طوز خور ماتو) رأيت الملح والقير أو الزفت وأنابيب النفط. وما كان الناس يستفيدون من القير إستفادة كاملة، أما النفط فكانوا يستفيدون منه في المصابيح الزيتية من أجل الإنارة. كركوك: أما كركوك فواقعة في أرض مغطاة بالزروع وكأنها عروس ترتدي لباساً جميلاً أخضر، وليس فيها إلا قليل من العمران، والمسكون من هذه المدينة هو جزء صغير وكذلك جنوب المدينة. وفي هذه المدينة توجد مساجد مهمة يقال: إن فيها قبور الأنبياء وهم (دانيال) و(ميخائيل) و(ضانيا) و(اليعازر) و... ويقطن هذه المدينة أربعون شخصاً كلدانياً ونسطورياً وهم من التابعين لكنيسة الروم. أراضي مدينة كركوك عائمة على بحيرة من النفط وأيضاً غنية بالقير. وفي مدينة (قوش) وهي مدينة في شمال العراق، رأى نيبور امرأة مسلمة تصلي، فكتب يقول: شككت في أنه كيف تصلي المرأة وتركع وتسجد والحال أن علماء أوروبا يختلفون في أن المرأة هل تدخل الجنة أو تبقى خارجها، والرجل فقط يدخل الجنة. أربيل: في هذه المدينة وفي أطرافها يقطن فرق اليزيدية وهم ممنوعون من إقامة شعائرهم الدينية، لأن الأتراك لم يسمحوا لهم في ذلك. هذه الفرقة تعتقد باحترام وتقديس شمر بن ذي الجوشن وأحفاده، وهو الذي قتل الحسين، ولذلك فهم يوالون شمر ويبتعدون عن أعدائه. أما الشيعة الذين يعتقدون بأن الحسين أعظم الشهداء وسيدهم فيعتقدون بضلالة هؤلاء اليزيديين. وعند اليزيديين صور كثيرة للحيوانات هي موضع تقديسهم واحترامهم. وعندما يتوجه اليزيدي إلى المدينة لغرض بيع ما ادّخره من دهن وبيض، حين يعرف أهل المدينة بأن هذا القادم (البائع) يزيدي يشرعون بإيذائه ولعن الشيطان وفي هذه الحالة يهرب البائع اليزيدي مخلفاً وراءه ما جلبه للبيع من دون أن يبيعها أو يستلم ثمنها، من أجل الابتعاد وعدم سماع لعن الشيطان. وحيث أن اليزيدية فرقة من فرق المسلمين فهم يتابعون بقية الفرق في الختان، ولكنهم يشربون الخمر ولكن بشكل قليل لا يصل إلى درجة السكر. ويصومون خلال السنة فقط ثلاثة أيام، ويذهبون إلى الحج كل عام. ومؤسس فرقة اليزيدية هو الشيخ عادي وهو مدفون بين مدينة عقرة والموصل. قوش: أما مدينة القوش (وهي إحدى المدن الواقعة في شمال العراق) فهي من المدن المقدسة عند اليهود، وذلك لأن النبي (ناحوم يهودر) ولد في هذه المدينة ومات فيها أيضاً. وفي طريق الموصل يوجد قبر النبي يونس (عليه السلام) وهو أيضاً مقدس من قبل اليهود هناك، ومن الأبنية التاريخية في الموصل هو (الجامع الكبير) الذي بناه نور الدين والي دمشق. ويوجد مسجد مهم آخر في نفس المدينة هو المسمى بمسجد النبي جرجيس، وفي خارج المدينة يوجد أيضاً مسجد يسمى بالجامع الأحمر. ولطائفة المسيح في الموصل عشر كنائس، إلا أن أكبرها صغير جداً. ويوجد في الموصل خمسة عشر بيتاً خاصاً للغرباء والمسافرين القادمين من المدن الأخرى. وأهل المدينة هم من المسلمين المنتمين إلى الطائفة السنية، والقسم الأكبر منهم من المذهب الحنفي، والبقية ينتمون إلى المذهب الشافعي. وعدد بيوت اليهود في هذه المدينة ألف ومائتا بيت، وحوالي ربع هؤلاء هم من (النساطرة) والكلدان غير المنحرفين والباقي من اليعاقبة. مائة وخمسون بيتاً في الموصل هم من اليهود إلا أنهم يعدون بين الناس من الحقراء والأذلاء. ويوجد أيضاً في مدينة الموصل عدد كبير من معامل النسيج ومعامل طرح الألوان والنقشات، ومعامل طرحها على الأقمشة المنسوجة، والحرفتان الأخيرتان بيد المسيحيين هناك. الأقليات المتواجدة هناك يجب عليها إعطاء الجزية للوالي التركي. في عام 1743م ولمدة واحد وأربعين يوماً حاول الترك أن يفتح مدينة الموصل ويستولي عليها إلا أنه في النهاية لم يوفق إلى ذلك، وفي خلال هذه المدة رمى على هذه المدينة أربعون ألف قذيفة. وفي كتاب (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) لـ (لونكريك) يتحدث المؤلف بشيء من التفصيل حول تاريخ العراق وبغداد ويتطرق في حديثه إلى تسلط المغول والإيرانيين في زمن الدولة الصفوية، وتسلط الأتراك بعد الصفويين على العراق، ويؤكد كثيراً على مسألة الشيعة والسنة، ويذكر أن واحداً من العوامل التي دعت الدولة العثمانية بالهجوم على الصفويين في العراق هو الاختلاف المذهبي بينهما. وفي زمن الدولة الصفوية والعثمانية عمّرت العتبات المقدسة وكذلك قبر الشيخ عبد القادر الكيلاني وغيره من المشهورين. ومن المظاهر الملموسة والواضحة في زمن الدولة العثمانية هو تداول إعطاء وأخذ الرشوة بين حكام الولايات من أجل الحصول على بعض المناصب أو في تقسيم الأراضي الزراعية. وهذه الظاهرة كانت سارية في العراق وفي بعض مدن إيران مثل تبريز. |