عملاق الادب العربي عباس العقاد -و مواقف فى حياته

بسم الله الرحمن الرحيم
احببت ان اكتب اليكم موضوع عن احدعلامات الادب العربي , الرجل الذى افنه حياته فى خدمة الامة و احياء الهمم
هو عباس محمود العقاد اهم كاتب و مفكر فى القرن السالف فى نظرى, و لقد كتبت اليكم الموضوع محاولا ان الازم الحق فيه و اذكر بعض الشئ عن هذا الهرم..

هو عباس محمود ابراهيم العقاد ولد فى 28 من يونية 1889 بصعيد مصر فى محافظة اسوان .
و كان للنشئة فى اسوان اكبر الاثر على العقاد حيث انه ولد فى اسرة ذات نسب شريف , و فى مدينة صعيدية تحافظ على العادات و التقاليد و تراعى الاصول و الاخلاق و لكن أسوان ليست كباقى مدن الصعيد ولا حتى كباقى مدن مصر او العالم انها المدينة الاثرية الضاربة جذورها فى التاريخ . و لهذا كانت مدينة اسوان منفتحة عن غيرها يأتيها الاجانب من كل الجنسيات للمشاهدة و الزيارة للمعابد و المقابر الفرعونية كما انها كانت مشتى لأعيان مصر و الانجليز فى هذا الوقت. و فى مثل تلك البيئة نشأ العقاد حيث تعلم الانجليزية و تكلمها ببراعة من غير دراسة و اصبح فاهم للايطالية و يقرأها لكنه لا يستطيع التحدث بها و كان هذا من تأثيرات المدينة على هذا الفتى الاسمر الطويل الذى نبغ فى العلوم و الاداب .

بيت العقاد :
والد عباس العقاس هو محمود افندى ابراهيم العقاد مدير ارشيف مديرية أسوان كان محمود افندى رجل جاد دوؤب و حريص على عمله و بيته و كان ذو ضمير عالى و كرامة و من شواهد جده و ضميره انه عندما اصبح مدير للارشيف عمل انجازات متقدمة جدا و قام بترتيب الارشيف بشكل علمى و متطور و اشاد الجميع بعمله ذلك , كما انه رجل تقى يحرص على صلواته و عباداته و ذكر العقاد فى كتابه (انا) ان ابوه كان يصلى الفجر و يجلس حتى الشروق لقرأة القرآن و اوردته يوميا , و كان ذو اطلاع واسع حيث يعقد جلسة علم اسبوعيه فى بيته يحضرها كبار شيوخ اسوان و اهل العلم و على رأسها الشيخ القاضى أحمد الجداوى أحد تلاميذ الشيخ جمال الدين الافغانى و صديق الشيخ محمد عبده ,, و كان كلما عقدت جلسة مثل هذه فى بيت محمود افندى كان يحرص ان يكون ابنه عباس موجود و يقول له يجب ان تجلس هنا و ليس للعب مع الاطفال !!
اما عن ام عباس العقاد فاصلها من شمال سوريا و من اسرة شريفة و جأ اهلها الى اسوان و عاشوا فيها و كان جدها عمر آغا الشريف من كبار اعيان اسوان و كان رجل دين و فضل و يروى ان فى ايامه انتشر خبر احد قطاع الطرق بجانب ضياعه فقالوا له الناس ايحدث هذا و تلك الاراضى لك ,, فما مر ايام حتى حكم على احد اولاده ان يأتى له بقطاع الطريق فجأ بهم فى اقل من اسبوع لكن خلال معركته معهم طعن و مات بعدها بايام . اما عن ابو امه فهو كان محمد أغا الشريف و كان رجل على خلق ايضا و يحكى عنه انه جاء الى احد بناته عريس فلما علم انه لا يقيم الصلاه رفضه و مثلهم كانت ام العقاد امرأه تقية
شريفة النسب و الاصل ذات خلق من بيت علم لا تترك فرض او نافلة و كانت شقراء قوية البنية دائمة الصمت صارمة الملامح والاقوال فورث عنها عباس صمته و انطوائه وصرامته و من النوادر التى تتعلق بامه انه عندما كان العقاد صحفى و كان من انصار سعد باشا زغلول و الثورة اشاع السياسين الموالين للقصر ان العقاد يترك زوجته تتسكع فى الشوارع و من العجب انه لم يكن متزوج فبطلت اشاعتهم فاشاعوا بعدها ان ام العقاد امرأة سودانية سوداء , لكن عباس العقاد لم يرد على هذا و كان جالس ذات مرة مع سعد باشا فى احدى زيارات الباشا للصعيد فإذا دخل خال العقاد عليهم فإذا به رجل ابيض اشقر و بعدما خرج, قال سعد باشا للعقاد اهذا خالك ؟؟ لقد كنت صدقت ان امك سودانية سوداء فعلا .. فقال له عباس ان امى سورية شقرأ لكنى لن ابرأ نفسى عن تلك الاشاعة و ان امى ليست سودانية فليس فى ان تكون سودانية او سوداء اى تهمة او عيب حتى اتبرأ من ذلك فيوجد كثير من السودانيات يستحقن فخر ابنائهن .

العقاد فى المدرسة :
التحق العقاد بالمدرسة الابتدائية فى أسوان كباقى الاطفال لكنه لم يكن مثلهم فكان نبوغه ظاهر و محل اعجاب الجميع و احيانا حتى الغيرة فمن المعروف ان العقاد كان متفوق فى الحساب و الرياضيات و كان هذا مصد ضجر لأحد مدرسيه و كان يغير منه على ذلك حيث ان هذا المدرس اعطى اعمال منزلية ذات يوم للتلاميذ فزاد عليها العقاد و اجاب على من لا طالعوه فى المدرسة حتى فاقامه المدرس و قال له انك مغرور و متفزلك و كتب له معادلة و قال له حلها فقام العقاد و حلها فازداد خنق المدرس عليه و قال انك جاوبت خطأ و انت تلميذ فاشل ,,, و كان العقاد يقرأ و يطالع الكثير غير كتب المدرسة و يستعير الكثير من مكتبه ابيه الضخمة و كان له حظ الاسد فى مادة الانشأ و تفوق فيها وحين قام الامام محمد عبده بزيارة اسوان مر على المدرسة الابتدائية و كان العقاد يومها تلميذ فسأل عن النابغين فقال له مدير المدرسة اقرأ موضوع انشاء للتلميذ عباس العقاد
فقرأ الامام محمد للتلميذ الصغير عباس محمود العقاد و قال فى استحسان ( يجدر بك ان تكون كاتب و أديب) و كأنها كانت نبؤة من الامام.
و من الغريب و المعروف ايضا عن العقاد انه اكتفى بالتعليم الابتدائى و لم يكمل باقى مراحل الدراسة و فضل العمل مع انه لم يكن فى حاجة الى المال لكنه كان دائم الشعور بالمسئولية و وجوب الاعتماد على النفس ..
بعد ترك العقاد للمدرسة قام بشراء مكتبة ضخمة من امهات الكتب فى التراث العربي و اهم الاعمال الادبية و الفكرية الانجليزية
و عكف على قرأتها مع عمله لأنه كان يعتبر العلوم و المعرفة غريزة انسانية مثل الحاجة للطعام و الشراب و النوم و عمل فى هذا الوقت موظفا فى السكة الحديد المصرية ثم انتقل الى دمياط ليعمل فى البريد و ثم جأ الى القاهرة اخيرا فى وظيفة حكومية ايضا و لكنه لم يفارق القرأة و المطالعة ابدا و كان ينهل منها يوميا ليزداد علمه و يسابق الدارسين و الاكاديمين و حتى المتفوقين منهم و بدأ فى العمل الصحفى و خلع قيود الوظيفة الحكومية عن نفسه و كان فى وقتها ان يستقيل احد من وظيفة حكومية حدث كبير و نادرة تكاد لا تصدق حيث كان وفرة الدخل و التأمين المادى و الاجتماعى و الفخر بالميري و لهذا عرف كثير من الامثال فى المصرية فى الحرص على الوظيفة الميرى او الحكومى و عن نفسه قال العقاد فى هذا الموقف انه يحسب نفسه اول من استقال فى مصر من وظيفة حكومية ,, لكن العقاد كان حر و كان يعشق الحياه على طريقته و كان يرى نفسه احق واحد باداره حياته بالاسلوب الذى يرضيه ..
تدرج العقاد فى السلم الصحفى وانتقل من جرائد الى مجلات الى جرائد اخرى و كان من اشد القائلين بافكار الزعيم سعد باشا زغلول و من المطالبين بالاستقلال عن انجلترا و وضع دستور يحدد سلطة الملك و يفرض حكم الاغلبية من الشعب و بسبب تلك الافكار و هذا الاجتهاد عانى الكثير و الكثير مع انه كان فى تلك الآونة شاب صغير لكنه كان يكتب و يعبر عن ارائه و اراء جيله و مجتمعه بكل حرية و شجاعة و كان احد الكاتبين عن حزب الوفد و كان يناصر سعد باشا على الملأ حين قام الملك بنفيه و اصدر قرار بعدم ذكر اسم سعد حتى فى الشوارع و بين المارة,, لكن العقاد لم يكترث لذلك و كان ينادى بعودة زعيم الامة امام كل الناس..
و استمر هذا نهج العقاد فى الكتابة الساسية على هذا النوح لكنه لم ينسى الادب و الفكر يوما فكان فى تلك الفترة اصدر اكثر من ديوان شعر و اراء له عن الادباء المصريين و العالميين و كان يجيد فن النقد الادبي ,,و تألق فى سماء الادب
و بعدما مات سعد باشا زغلول و تغيرت بعض سياسة الوفد فى مهادنة الانجليز احيانا للتغلب على القصر ورجاله و فى التهادن احيانا مع القصر لمهاجمة الانجليز و كان طلب الاستقلال يقدم للانجليز بطريقة يرفضها العقاد فانقلب العقاد على الوفد و اعلن عدم انتمائه لأى حزب و رشح نفسه فى البرلمان المصري و كان يقول انا لست متحزبا و لكنى لسان حال المصريين و فى احد جلسات البرلمان المصرى فى حضور رئيس الحكومة المصرية انذاك مصطفى باشا النحاس و كانوا يتناقشون حول اعطاء المزيد من الصلحيات للملك على حساب الدستور و تعطيل بعض مواد الدستور لكن العقاد رفض هذا بشدة و قام يخطب فى الجالسين و قال فيما قال (ان الامة على استعداد سحق اكبر رأس فى البلد يخون الامة و يعتدى على دستورها) و كان يقصد باكبر رأس فى البلد الملك فؤاد الاول و علم بهذا القصر و حاكمه بتهمه العيب فى الذات الملكية و حكم عليه 9 شهور , و فى ظلمات السجن فتحت طاقة من النور للعقاد حيث قرأ روائع الادب العالمى و تعلم الفرنسية قرأة و كتابة و تعمق فى كتب و مؤلفات الامام ابوحامد الغزالى و مرض العقاد و هو فى السجن و نقل الى مستشفى للعلاج و كان بجانب سريره يرقد مريض اخر بالقلب و كان يتأوه الرجل طوال الليل فلم يتحمل العقاد و بكى و تنحب من اجل الام الرجل و طلب ان يعود الى السجن فالسجن عنده ارحم من ان يرى انسان يتألم

بعد خروج العقاد من السجن قال انه حكم عليه بـ 9 شهور و كانت تلك الشهور بالنسبة له ميلاد جديد و قال انه لم يخرج من السجن خائفا او مهادن للباطل فى سبيل الحرية لكنه قال ان اقصى شعور بالحرية هو ان تسجن من ظالم او جاهل لقول الحق.

تعمق العقاد اكثر فى الادب و التاريخ و الفلسفة و الشعر و النقد الاجتماعى و كتب كنوز من المعارف و العلوم وكتب عن تجربة السجن كتابه (سدود و قيود) و انطلق بعدها ليكتب سلسلة العبقريات الاسلامية و التى أشهد بانها كتابات عبقرية عن اناس عباقرة ,, و تعتبر العبقريات من اهم و اشهر كتب العقاد و العبقريات هى عبارة عن مجموعة كتب مختلفة كل كتاب يتكلم عن شخص معيين فى عبقرية له ... و من اهم عبقربات العقاد : عبقرية محمد , عبقرية عمر الفاروق , عبقرية الصديق , عبقرية الإمام علي , عبقرية خالد بن الوليد و كتب اخرى عن سيدنا عثمان و معاوية و بلال بن رباح و كتاب الصديقة بنت الصديق و كتاب الزهراء عن فاطمة الزهراء و عمرو بن العاص و رائعته الخالدة ابو الشهداء الامام الحسين بن علي و كانت هذه الكتب فى بعض الشخصيات الاسلامية التى كان يري العقاد وجوب الكتابة عنها , و كان يكتب رحمه الله عن كل شخصية لهدف و ليس للبحث فقط فكان مثلا يري ان هناك شخصيات عظيمة نعرفها و نردد اسمائها لكننا لا نعرف عنها الكثير و قال حينها الكل يعلم من هو الحسين و من هو صلاح الدين و كلنا نحب كلا من الشخصيتين لكننا ان سئلنا احد عنهما سيفيض فى ذكر صلاح الدين و سيذكر الحسين فى كلمات قليلة و هذا ليس انتقاص من مكانة سيد شباب اهل الجنة و لكنه الجهل الموروث , فأراد العقاد ان يلقى الضؤ على مثل تلك الشخصيات و من الملاحظ فى كتباته عن الشخصيات انه لم يكتفى بسرد و ترجمة حياه الفرد منهم لكنه كان يعود الى اهله و اجداده و بيته و طفولته و يحللها و يري ان تلك العوامل هى التى ادت الى افعال معينة فكان فى كتبه يستعمل نظريات علم النفس و الفلسفة الفكرية للحكم على الاشخاص التاريخية او تبرير مواقفهم.
و كتب العقاد ايضا كتابه العبقري عن العقيدة و هو كتاب (الله) و الذى هاجمه البعض لكنى اري ان الكتاب عبقري ايضا فى الفكر و المنطق , حيث ان الكتاب ليس مكتوب فى الله جل جلاله من منظور الاسلام , لكنه كتبه عن مفهوم العقيدة و الاولهية عند شعوب الارض فذكر اساطير و تخاريف ما قبل الحضارات ثم فصل الديانات القديمة فى بلاد مصر و العراق و فارس و الهند و الصين ثم ذكر ديانات الله على الارض ففصل فى اليهودية و المسيحية و الاسلام ثم ذكر ما اتى بعدهم من نحل و افكار و حتى انه ذكر الفلاسفة المعاصرين و ارائهم , و كان مضمون الكتاب و الفكرة الام هو تنزيه الاسلام و قال بوجوب الديانات القديمة لدى الحضارات السالفة و هذا الوجوب ليس وجوب ديني لكنه وجوب منطقى , حيث قال ان فى بداية الانسانية عندما كان الانسان لا يدرك من العلوم و المعارف شيئا,, فكر فى الدين فلم يخطر له وجود خالق اوحد للكون و كان ساعتها الانسان يصدق ما يري و يسمع فعبد ارواح الصالحين و الاجداد و ما لمسه بيده و او علق فى ذهنه ثم تطور فعبد الاصنام و الكواكب و النجوم ثم جأ اليه دين الله حيث اليهودية فآمن بها البعض لكن لجهلهم و اجترأهم تصوروا ما لم تأتى به اليهودية فحرفوا فيها و غيروها ثم كانت رسالة المسيح فصدقها البعض و آمن بها لكن الانسان كان لا يزال على تأخره العقلى فتصور الله ابا و اساطير للابن و الروح و اخيرا كان الاسلام الذى انزله الله للعقل السليم حيث اكتمال نضوج الفكر الانسانى و قال ان الاسلام دين العاقلين اصحاب المنطق السليم.
كما كتب العقاد عن بعض الانبياء غير سيدنا محمد حيث كان كتابه العبقرى (ابراهيم ابو الانبياء) و بحث فى الكتاب عن سيدنا فى اقوال اليهودية و المسيحية و الاسلام و الصابئة و ذكر اثار ابراهيم و لغته و الحفريات التى تدل عليه,,, كما كتب العقاد عن المسيح فى كتابه (المسيح نور و كلمة) و فصل فيه ايضا اقوال المسيحين و الاسلام و اثار المسيح و نبل رسالته .

كان العقاد يري ان كتابته هى واجب عليه و ان الله اعطاه علم فوجب عليه النصح و و توصيل المعرفة و كان يري انه خير سبيل للتقدم العملى و العلمى للشرق و الوطن العربي هو انتهال معارفنا و قيمنا و تطويرها و المزج الصالح بينها و بين ما نستطيع ان نأخذه من الغرب على حذر و كان يري ان الاهتمام باللغة العربية هو من اهم سبل التقدم و كان يري اذا اصبح كل فرد يتكلم العربية بطلاقة و يقرأ بها و يفتخر بها دائما فاننا قد انجزنا شوط كبير من التقدم و كان يري ان الاسلام مع التقدم العلمى هو خارطتنا نحو الافاق و كتب فى هذا عدة كتب كان منها , الاسلام فى القرن العشرين , الاسلام دعوة عالمية , الديمقراطية فى الاسلام , التفكير فريضة اسلامية , أثر العرب فى الحضارة الاوروبية و الثقافة العربية.
و كان من ضمن معتقدات العقاد هى القومية العربية و تحالف الشرق العربي المسلم و لكنه كان يختلف مع قومية عبدالناصر فيما بعد و ناصر القومية جدا فى كتابه ( عبدالرحمن الكواكبي)
و من منطلق مثل تلك الافكار كان العقاد يتخذ موقف حازم و صارم من بعد الفلسفات المهينة للعقل الانسانى على حد تعبيره مثل الشيوعية و الوجودية والصهيونية و البهائية وكان فى زمن العقاد من ثلاثينات القرن الماضى بدأ القول بالشيوعية و الاشتراكية و انتشر هذا القول بين الشباب المصري بشكل كبير و خاصة الجامعيين و المثقفين فكتب العقاد ينقد و يهاجم تلك الافكار فى كتب عديدة مثل , مذهب ذوى العاهات , لاشيوعية لا استعمار , الشيوعية الانسانية . و من خلال تلك الكتب فند العقاد اراء الشيوعيين و كان فى بحثه لكتابة تلك المؤلفات تعمق كثيرا فى الشيوعية و اصبح ملم بها و بافكارها و ما خفي منها و ما اعلن اكثر من القائلين بالشيوعية و كان من اشد الاختلافات الفلسفية بين العقاد و الفكر الشيوعى مفهوم البطولة حيث يري الشيوعين ان البطل او العبقرى هو مندوب من الشعب حمل احلامهم و امالهم فى طفولته و تأثر بهم فكان,, و ترجع الشيوعية فضل المتفوق و البطل للمجتمع و ان الشعب هو صاحب الفضل لكن العقاد يري عكس ذلك و كان يقول ان البطل و الانسان العبقري هو فلتة و هو نابغ من نفسه و كل ما فيه انما هو نعمة من الله اغدقه بها و لم ينعم على الكثير بمثلها فضرب العقاد مثلا لأشخاص ولدوا و نشأوا فى بيئات و مجتمعات فقيرة جاهلة متخلفة ماجنة كافرة فخرج من بينهم انسان صالح و خيير و مفكر فكيف يكون هذا حمل احلام و طموحات اولئك .
كما ان العقاد هاجم الوجودية اشد هجوم و كانت انتشرت تلك الفلسفة فى اوروبا بعد الحرب العالمية الاولى و انتقلت الى مصر على يد المستشرقين الذين كانوا يعملوا فى الجامعات المصرية و على يد الطلاب المصرين الذين سافروا اوروبا و كان من اشد القائلين بها فى مصر د. عبدالرحمن بدوى و لكن العقاد كان يري ان تلك الفلسفة هى مثل البكتريا و الميكروبات التى نشأت على جثث المجتعات الاوروبية العفنة بعد دمارها الفكرى و الحضارى نتيجة الذى شهدته اوروبا عقب الحرب العالمية الاولى و ان تلك الفلسفة خرجت لتكرس السلبية و تعلي من شأنها و كان يعيب اشد العيب على فيلسوف الوجودية الفرنسي جان بول سارتر انه عندما غزت المانيا فرنسا قال سارتر انه عندما غزتنا و احتلتنا المانيا أخذت منا كل الكرامة و اعطت لنا كل الحرية حيث انه عندما يكون الاحتلال تكون الحرية لأن الاحتلال يسلب المسئولية من الانسان و المسئولية هى اشد عدو للحرية !!!
كما ان العقاد اتخذ موقف معادى جدا للبهائية و التى كانت انتشرت فى مصر بعض الشئ اوائل القرن الماضى و فتحت مصر بمساعدة الانجليز ابواب مصر للبهائين و لاقامة محافلهم بحرية كاملة و بعد هذا جأ الى مصر كبير البهائين فى هذا الوقت و هو عباس افندى عبدالبهاء ليبشر بدينه و دين ابوه بين المصريين لكن العقاد وقف له بالمرصاد و ناقشه بالعقل و المنطق و فند ارائه و سفه دينه حتى رحل عن مصر و تركها سالمة .
و كذلك العقاد لم يرضى عن الصهيونية و اعمال اليهود و كان يقول ان اليهود اشد الناس كذبا و يكفى ان تأذى واحد منهم او تقوم مشادة بينكم فى احد اشارات المرور لكى يجتمع عليك كل يهود العالم و يقول انك همجى لا تملك قلب كيف تأذى هذا , الا تعرف ما عاناه اجداده .و كان يقول ان اليهود اكثر الناس ترويجا للاشاعات و يفعلون كل الطرق لتصدقها و ان لم تفعل اتهموك بالجحود و كذلك كان واضح جدا فى كتابة (الهيونية و العالمية)
تقلب العقاد بين العلوم و الاداب و المعارف و لم يترك صنف من العلوم إلا و نهل منه حتى يحكى انه ذات مرة تحدى احد علماء الطب البيطرى بجامعة القاهرة على بعض العلامات فى نوع معين من القرود و اتى مدير حديقة الحيوان بنوع القرد و ثبت صدق العقاد و اخفاق العالم البيطرى , كما يحكى على لسان الكاتب الكبير انيس منصور و هو من تلامذة العقاد لكنه وجودى المذهب ان العقاد كتب ذات مرة مقال عن الوجودية و هاجم فيها افكارهم و فلاسفتهم و ذكر مصطلح فلسلفى لاتينى و هلع انيس منصور عند قرأة المقال لوجود هذا المصطلح ,, ان المصطلح كتب خطأ!! , فذهب انيس الى الجريدة ليتأكد ان كان خطأ مطبعى فعرف ان العقاد ارسل المقال بهذه الصورة , فقال انيس عن هذا الموقف انه فرح جدا بهذا و لم يكن فرحه بسبب خطأ للعقاد لكنه فرح انه يعدل على العقاد نفسه و يكتشف خطأ له و قرر ان يقول للعقاد عن خطأه لكى يصححه له و كان منتشي انيس منصور بسبب هذا الحدث جدا و عند اول لقاء بينهما قال انيس منصور للعقاد على ما اكتشفة من خطأ فى المقال فضحك العقاد حتى دمعت عيناه و قال له خطأ فى مقالى انا !! . عيب يا مولانا تكون رجل دارس للفلسفة الحديثة فى الجامعة و مدرس لها الأن فى جامعة عين شمس ثم تقول هذا و بيين العقاد لأنيس منصور ان ما كتبه صحيح و اتى له بدليل من المراجع اللاتينية و قال له ما ذكرته انا صحيح و ما ذكرته انت صحيح انهما كلمتان لنفس المعنى .
و هكذا كان العقاد رجل غرف من العلوم ما حوى جوفه منها و كان من المعروف ايضا انه كانت هناك خصومة بين العقاد و العديد من ادباء عصره و على رأسهم د. طه حسين و كان العقاد يري ان د. طه ليس بالاديب او العبقرية التى تستحق كل هذا التقدير لكنه كان يري انه شخص عاجز كفيف تعلم ما استطاع ان يتعلمه لكنه لم يدرك الكثير من المفكرين و الادباء الحقيقين و انما كان نجاحة نوع من انواع الشفقة على رجل عصامى شيخ ازهرى اعمى سافر بين الدول و تعلم و جأ الينا و كثيرا ما صرح العقاد بهذا على الملأ و فى احاديثه و كان يقرن طه حسين دائما بلقب الشيخ طه و لم يقل له يوما د. طه او معالى الوزير او سيادة العميد و كلها القاب لطه حسين و كان يعيب على طه حسين فى حرصه على حضور معارض الفن التشكيلي و يقول لماذا يذهب اذ لم يكن قادر على تذوق هذا الفن , و كان يعيب عليه ايضا تحمسه لعبدالرحمن بدوى و قال فى ذلك ان عبدالرحمن بدوى قال كلام لم يفهمه طه حسين فتحرج من ان ينقده حتى لا يسأله احد لماذا تهاجمه فقرر ان يؤيده !!!
و من المعروف ان طه حسين كان من انصار المدرسة الفرنسية فى النقد و الادب و من مؤيدين افكار المستشرقين الفرنسيين و قالوا عنه انه سفير الفكر الفرنسي فى مصر اما العقاد فكان من انصار المدرسة الانجليزية و منطقها و قال فى هذا ان الفرق بين الفرنسي و الانجليزى ان الاول رجل فن و مشاعر و فقط و الثانى صاحب تجارة و منطق و عقل و قال فى طه حسين ناقدا تأيده الدائم لفرنسا و افكار المستشرقين : ان طه حسين مستشرق اكثر من المتشرقين .
كما ان العقاد كثيرا ما هاجم توفيق الحكيم و ان لم يكن بنفس قسوة هجومة على طه حسين و كان عندما يسأل عن طه حسين ينقده اشد النقد و عندما يسأل عن توفيق الحكيم فيقول عنه رجل ظريف خفيف الدم ..
و من اشهر و انجح تلامذة العقاد د . زكى نجيب محمود المفكر المصري الجليل و الاستاذ انيس منصور الاديب و الصحفى المعروف و ان لم يكن انيس منصور يسير على خطى العقاد او خطوات مشابهة حتى لكنه دائم الحديث عن العقاد و ذكره فى معظم كتبه و كتب عنه اهم اعماله و هو كتاب ( فى صالون العقاد كانت لنا ايام) فى هذا الكتاب الضخم ذكر انيس منصور العقاد انسانا و كاتبا و مفكرا وغاضبا و ضاحكا و اب حنون على تلامذته.
و من الذى نعرفه عن العقاد انه لم يفارق ارض مصر و لم يسافر الى خارجها سوى الى دلوتين هما السودان و السعودية و السودان سافر اليها لأنه عندما كان العقاد فى عداوة مع الانجليز اثنائ ذلك حدثت حادثة اعتيال السير لى ستاك احد رجال الاحتلال فى مصر فاتخد الانجليز هذا الحادث حجة و قرروا محاربة كل اعدائهم و القبض عليهم و كان العقاد ساعتها فى اسوان فعلم بما حدث فسافر الى السودان يقيم بين اهلها , و الدولة الاخرى التى سافر اليها العقاد هى السعودية و كان يذهب اليها حاجا و معتمرا , و كان لقلقة سفر العقاد و عدم ذهابه الى اوروبا فى هذا الوقت معابة بين الادباء لأن اوروبا كانت منفذ كل المثقفين المصريين انذاك لكن العقاد لم يترك لهم تلك الفرصة فيحكى انه قرأ كل كنب الرحلات فى العربية و الانجليزية و الفرنسية و الايطالية و حفظ البلاد و العادات و التقاليد حتى انه قرأنا ذات مرة انه جلس الى احد العائيدن حديثا من ايطاليا و تكلما سويا عن ايطالية و جمالها و الذ طعام فيها و ذكر العقاد اسم احسن المطاعم و قال هذا يتميز لكنه سئ فى كذا و هذا جميل لكن ينقصه كذا و نصح الصديق القادم من ايطاليا بعدة اماكن و فنادق يحرص عليها فى المرة القادمة حتى ان الرجل قال له ليتنى اتيت قبل السفر لتنصحنى فيبدو انك عشت فى بلاد الطليان كثير فضحك العقاد و قال له ان لم اعبر البحر المتوسط يوما!!!
فمن الشهير عن العقاد انه لم يتزوج و لم ينجب لكنه كان له تلاميذ و جوقة مصاحبه له دائما و كان فاتح ابواب بيته لكل سائل
و كان له الكثير من التلاميذ من ادباء شباب و مفكرين و رجال دين و طلبة جامعات و مثقفين و حتى بعض كبار الادباء من مريدين العقاد و كان لهم ندوة اسوبعية فى بيت العقاد يوم الجمعة و كان العقاد يلقب بالاستاذ و ليس هذا بين تلامذته فقط لكنه اشتهر بها فى جميع الاوساط الادبية و المنتديات الادبية و حتى بين العامة حيث كان يكفى ذكر كلمة الاستاذ ليعرف المستمع ان العقاد هو المقصود فكان بيت العقاد بالنسبة للمصرين بيت الاستاذ و تلامذته هم تلامذة الاستاذ و عندما يمشى العقاد فى الشارع فيشار اليه قائلين انه الاستاذ.
و أذكر لكم قصة سردها أنيس منصور فى كتابه (فى صالون العقاد كانت لنا ايام) حيث يقول انه ذات يوم تجمع تلامذة العقاد حوله فى بيته و ناقشوه فى مسائلهم فإذا بفتاه بينهم تهاجم العقاد و تقول له : انت رجل كلام كلكم لا تجيدون الا الكلام و ترددون عبارت لا تفقهون منها شيئا اننى اقدر الرجل الهندى الفقير الذى يمشى نصف عاريا عنكم انه رجل ترك الدنيا و تخلى عنها لأناس مثلكم يتكالبون عليها و انى لارى المرأة بينكم هى صيد تترهانون عليه فما اقبح عقولكم ,, فبعد تلك الكلمات سكت الجميع و انتظروا عاصفة من العقاد يطيحهم بها على عادته احيانا عندما يغضب او يعلن اختلافه و انتظر الجميع هذ و القلق فى العيون و لكن اذا بالعقاد نظر فى الارض و ارتسم على وجهه كل معانى الحزن و قال : لماذا كل هذا يا ابنتى ان الحياه لا تستحق منكى هذا انكى مازلتى شابة و امامك الحياه كلها فلماذا الاكتئاب إذن,, ان تجربتك هذه ممكن ان تحدث لأى احد ,, فاستغرب الجميع و قال اى تجربة يا استاذ انها زميلة لنا و انك لا تعرفها حتى,, انها اول مرة تزور صالونك و انها كانت لمدة عام منصرم فى الهند مع والدها الذى يعمل بسفارتنا هناك , فقال العقاد : ان اعرف انها اول مرة تأتى الينا و لكنكم زدتوا علينا اكثر عنها , و توجه مرة اخرى الى الفتاه و قال انا اقدر ما تشعرين به و لكن يجب ان تعلمى ان تلك مجرد تجربة كما قلت لكى انكى عشت فى الهند لعام و رأيتى الرجل الهندى و قارنتيه بما حدث لكى , ان زواجك من رجل آفاق او خائن لا يعنى ان كل الرجال كذلك بل ان التجربة هى ثورة يجب ان تحمدى الله عليها و ستقولى لى و الثكل , نعم انى اعرف ان اصعب احساس فى الدنيا ان تفقد ام ابنها و ليس معنى انكى فقدتى ولديكى الاثنين ان هذه نهاية العالم ان الله وضعك فى محنة لكى يري ما هو ردك فأن احسنتى الرد فسيكون لكى حسن الجزاء ...... و بعد تلك الكلمات هال الجميع لقول العقاد و أخذت البنت تبكى بحرقة و قالوا كل التلامذة اهذا حدث فعلا و سئلوا زميلتهم ان كان هذا حدث حقا لكنها لم تجبهم و استمرت فى بكائها و حينها قال العقاد للتلامذة اتركوها تبكى فسألوه التلاميذ اهذا حدث و ان كان فكيف عرفت يا استاذ , فجاوبهم العقاد ان فى اليد اليسري للفتاه يوجد أثر غائر مكان خاتم الزواج ,,و ان فى وجهها و تحت اذنيها بعض العلامات التى لا تأتى للمرأه إلا بعد ولادة متعسرة لتوأم و ان تحت عينها سواد يدل على البكاء و فى عينها و قولها حزن و انتم قدمتوها لى على انها آنسة فعرفت ان اطفالها ماتوا و انتوا لا تعلموا شيئا عن امر زواجها وطلاقها و موت رضيعيها!!!!
و نعود لنقص حكاية عن العقاد لتبين مدى صرامته و شجاعته فى الحق انه فى عهد الملك فاروق الاول طلب منه الملك فى ذكرى الملك فؤاد ان يكتب قصيد رثاء عن الملك و كان فاروق يقصد بهذه الفعلة اذلالا للعقاد حيث قال فى نفسه انك حبيس ابي و ستمجده فى قصيدة بأمر منى فجأ رد العقاد صاعقة للملك حيث قال ايها الملك انا على اتم استعداد ان اكتب قصيدة فى والدك رحمه الله و مستعد ان القيها بنفسي على مشاهد الشعب لكنها لن تكون رثاء فانها ستكون مزيد من الهجاء !!
و يحكى ايضا انه فى زمن عبدالناصر تقلصت فى مصر الكثير من الحريات و التجمعات السياسية والمثقفين و كان العقاد يعقد صالون ادبي اسبوعى يسب فيه عبدالناصر على الملأ و ينقده اعنف النقد و يقول كيف لرجل ان يأخذ اموال الناس بغير حق , و كان يجزم ان عبدالناصر معقد نفسيا و انه نرجسي و كان هذا الكلام يصل لعبدالناصر لكنه لم يستطع ان يفعل شيئا ففى عهده كان قد شاخ العقاد و اصبحت شهرته عالمية فخاف ان يحبسه حتى لا يقول العامة و العالم كله انه يحبس العلماء , و قال العقاد ان بعد حادثة المنصة التى حاول فيها اغتيال ناصر من قبل الاخوان قال بعدها عبدالناصر بعد ان ثبت فى مكانه بشجاعه و قال فليبقى كل فى مكانه روحى فداء لكم فإذا مات عبدالناصر فهناك على ارض مصر 20 مليون عبدالناصر فانا من علمكم الشجاعة انا من علملكم الكرامة ,, فقال العقاد ان شعبا يرضي ان يخاطبه زعيمه و يكذب عليه و يمحو تاريخ شجاعتنا و كرامتنا لشعب يستحق الديكتاتورية الغاشمة .
و ورد انه فى اوائل الستينات رشح العقاد لجائزة الدولة التقديرية هو و طه حسين و ان الرئيس هو من سيسلمهما الجائزة
فخاف كل تلامذة العقاد من ذلك لأنهم يعلموا ان تلك اول مرة سيتقابل العقاد بعبدالناصر و ان عبدالناصر يحب ان يشجعه الناس و يقولون له عبارت الزعامة و الشجاعة و ان العقاد لن يفعل ذلك ابدا فرجوا العقاد ان يكتفى بالشكر للزعيم و ان يسكت و لكن ما ان صعد العقاد على المنصة لاستلام فقال انا اشكر الشعب المصري الذى كرمنى , فانا عشت عمرى من اجل مصر و الان مصر ترد الجميل . و نزل و لم يشكر الرئيس و عبارته هذه فيها شكر للشعب المصري فقط و ليس للرئيس و فيها اشارة انه يستحق التكريم !!!!
و من الحكايات ايضا عن العقاد انه فى الاربعينات من القرن الماضى جأ اليه وفد من وزير ثقافة لأحد دول شرق اسيا المسلمة يطلب منه ترجمة العبقريات الى الاوردية و لغات اخرى نظير مبلغ 5 الاف جنيه مصري ( فى ذلك الوقت مثل ذلك المبلغ كان كافى لشراء 500 فدان زراعى) فوافق العقاد و قرروا ان يمضوا العقود فى بيت العقاد فى موعد محدد , فعندما جأ الموعد لبس العقاد و انتظر مجيئهم و عندما لاحظ ان الموعد قد جأ و هم لم يأتوا جلس الى كرسي صالونه و نظر الى ساعة الحائط و انتظر خمس دقائق فلم يأتوا فدخل العقاد و غير ملابسه و استعد للقرأه و بينما هو يغير ملابسة اذا بهم قد وصلوا و كان قد تأخروا عشر دقائق فبعث اليهم بسكرتيره قائلا لهم العقاد لن يقابلكم و يقول لكم احترموا مواعيدكم و انه لا يستطيع ان يجعل اناس مثلكم يقومون بترجمة كتبه .
و فى حياه العقاد الكثير من المواقف التى تدل علي شخصيته و انا لا اسرد مثل تلك المواقف للتسلية و انما لفهم شخصية العقاد و تحليلها و اظن انا عن نفسي انها شخصية عجيبة تحمل بين طيتها اخلاق الفارس الشجاع و الاديب الحر و رجل العلم المقدام و الأستاذ العطوف على تلامذته و الانسان الرقيق و العدو الصعب المنال و السياسي الذى يطلب العدل و فقط .
فنقرأ لمن عاصر العقاد انه كان صديق حميم جدا للاديب عبدالقادر المازنى و انه عندما مات المازنى ظل العقاد فى حالة عجيبة لمدة طويلة و انه ظل طوال حياته عندما يذكر احد امامه اسم المازنى يسرح العقاد و احيانا تدمع عيناه..
و كان العقاد شديد الحب للاطفال و كان يقول ان الطفولة هى اجمل ما فى الانسان و ان المجرمين دائما يعملون على قتل الطفولة فينا و كان العقاد يحرص على ان تقام الرحلات المدرسية من المتفوقين الاطفال فى بيته حيث يزوره الاطفال مع بعض المدرسين و يقضى العقاد يومه هذا بين الاطفال و شقاوتهم واسئلتهم الحرجة فيكون اسعد يوم فى حياته و حين ينتهى وقت الرحلة كان العقاد تدمع عيناه فى وداع الاطفال ثم يوصى المدرسين بان لا يقطعوا الرحلات الى منزله !!!!
و مع كل هذا لم يتزوج العقاد و لم ينجب و يقال فى هذا ان العقاد أحب الاديبة مى زيادة كما احبها الكثير من ادباء عصره مثل طه حسين و المنفلوطى و سلامة موسي لكن حب العقاد لها كان حب حقيقي وان الباقى كانوا مجرد معجبون بها و عندما قرر العقاد ان يصارحها بحبه قالت له و هى تبكي لقد عشت انتظر منك مثل تلك الكلمة لكنك قلتها متأخرا و لم يرتبط بها العقاد و بعدها احب العقاد فتاه اخرى و كانت تصغره بسنوات عدة لكنه احبها حبا صادق و بادلته الحب و قرر ان يتزوح بها و تكون ام لاولاده لكنه فوجئ ان تلك الفتاه فضلت الشهرة عليه و عملت ممثلة و قال لها انا او التمثيل فقالت بل كلاكما فمن يومها غلق بابه فى وجهها و لم يعرف له الحب طريق و عاشق راهبا للفكر و الادب و العلوم و تقلب بينهم فتارة هو اديب و تارة شاعر ثم يكون ناقد اجتماعى ثم يطل علينا بكتبه فى الاسلام و فلسفته ثم يتحفنا بكتاباته فى السياسة , و كان العقاد يقدر الامام ابوحامد الغزالى تقديرا خاص جدا و قرأ له كل ما كتب و كل ما كتب عنه من فلاسفة العرب و النقاد المعاصرين و المستشرقين و الفلاسفة الاجانب و كان يحلم بأن يكتب عنه اعظم كتاب عن الغزالى و اعظم كتاب للعقاد و كان كلما قرر ان يكتبه أجله ليزداد معرفة بالغزالى فى كل شئ فى كل كبيرة و صغيرة لكنه مات قبل ان يكتب عنه فقد عاش حياته طالبا لعلوم الغزالى لكنه مات و هى اسرار فى صدره و كان ايضا من امنيات العقاد ان يكتب كتاب عن فلسفة الجمال و مفهوم الجمال و كان يقول ان الجمال عنده هو الحرية فالصوت الجميل هو الذى يخرج فى انسيابية و حرية و لا ينحاش فى الحنجرة و او يتعثر على اللسان و كان يقول و الجمال الآدمى هو الحرية فنرى التناسق بين الرأس و الجسم و ان يكون الجسم حر فلا يزيد او ينبعج فى منطقة بشكل ملفت ولا يقل فى اخرى بشكل واضح لكنه مات ايضا قبل ان يكتب شيئا عن ارائه فى فلسفة الجمال .
و كان العقاد ايضا ينوى و هو على فراش الموت ان أمد الله فى عمره فسيفسر القرآن الكريم بأسلوب عصري يتماشي مع التفاسير القديمة و بمنطلق فكر اهل السنة و فسر منه سورة الرحمن فى جلسة خاصة مع تلاميذه حيث كان راقد على فراشه و عندما عرف طه حسين هذا الامر فرح و دعا الله ان يمد العقاد حتى يقرأ تفسير للقرآن بقلم العقاد و قال انه عاش مختلف مع العقاد فى كل شئ لكنه لا ينكر فضله و تفوقه فى اللغة , و عندما سمع وزير الثقافة انذاك بتفسير العقاد قال لانيس منصور و هو كان قريبا من العقاد , قل لاستاذك ان يبدأ بالتفسير سورة فسورة و اننا سوف ننشره على حساب الحكومة فقال له انيس منصور ما عجب له الوزير اشد العجب فقال ان الاستاذ لا يملك الكثير من الاموال ليصرف على علاجه فاعمل خير و ارسل له معى مثل مقدم على ما سوف يفسره من القرآن و اننا سوف نقدم له هذا المبلغ على انه نظير كتاباته حتى لا يرفضه فوافق الوزير و أخذ انيس منصور و ذهب للعقاد ليبشره , فابتسم له العقاد و وافق و لكنه صمم ان يوقع له على انه اخذ المبلغ و لكن عندما كتب انيس الورقة ليوقع عليها الاستاذ فإذا القلم يهتز بين يده و يقع فيهال انيس منصور لهذا الامر ,و يتغير وجه العقاد و يقول له : (انا لا استطيع ان امسك قلمى فالآن اعلن وفاه العقاد !!)
و عندما عرف الوزير بهذا الامر و ان العقاد لم يرضى ان يأخد المال فحدث الرئيس فى هذا فقال له عبدالناصر ان العقاد من علامات مصر فاذهب له و اترك له الاموال فى بيته و هو غافل حتى لا يرفض , فذهب له الوزير للزيارة و ترك له المبلغ تحت غطأ الفراش و بعدما مشي الوزير تحرك العقاد على سريره فوقع المبلغ على الارض فعرف انه من الوزير فنادى على سكرتيره و قال له الحق الوزير و قل له العقاد لا يقبل الصدقة و ان الله حرمها عليه و على اجداده !!
هكذا عاش العقاد .. إمام الفكر العربي و عملاق الادب العربي كان رجل يحارب بقلمه و يستند على كرامته و لم يخذل نفسه ابدا .. عاش كمفكر حر قوى الحجة صادق العهد , عاش فى زمن الارستقراطيات فكان فى زمنه يقدس المجتع ثلاث ارستقرطيات و يغدق عليهم الكرم و الالقاب و هم رجال السلطة و رجال المال و اصحاب الشهادات العلمية الرفيعة ,, فقرر العقاد ان يحارب اصنام المجتمع الثلاثة و خاطبهم بقوة وقال لهم لن احتاج اليكم يوما و لن اصغر امام معابدكم و فسوف اهدمكم و تكون ذكراي اطول و اقدس منكم فلم يركن الى سلطة يوما و لم يهادن ظالم او جبار و لم يطلب المال ساعة و هو كان فى ايام ينام بدون عشان , و لم يلهث وراء شهادات علمية عمياء فنهل من العلوم ما عجز عليه اجيال فضاقت عليه شهادات عصره و اصبحت كتبه و افكاره رسائل للدكتوراه و هو الرجل الذى حصل على الابتدائية , يحكى ان العقاد كان يتقابل مع مجموعة من الاعيان و البكوات و الباشوات الوطنيين فى مقهى جروبي بمصر الجديدة (الحى الذى عاش فيه العقاد) و كان يدخل عليهم بقامة مرفوعة و هيبة فيعظمه كل الجالسين و يبجلونه حتى ان بعض العاملين فى المقهى ظنوا انه كبيرهم و فى يوم مر العقاد امام المقهى (جروبي) الذى كان قريبا من بيته و كان يحمل معه مستلزمات البيت فرأه احد العاملين بالمقهى فحمل عنه الاشياء و ذهب بها حتى بيت العقاد و عندما دخل عامل المقهى بيت العقاد فوجئ انه بيت عادى جدا و اقل من العادى حتى و مهمل فقال له الرجل : أهذا بيتك فرد العقاد بنعم فقال له الرجل كيف و انت من اكبر باشوات البلد , فاستغرب العقاد وقال له من اين اتيت بهذا فرد عامل المقهى انا لم اتى به بل انت الذى تجلس فى مقهانا مع اكبر باشوات البلد و اراهم يحترمونك و يهابونك حتى انهم فى البعض الاوقات يضحكون بصوت عالى و يصيحون فى بعض لكن عندما تأتى انت الكل يصغي اليك و يحترمك فحسبتك كبيرهم !!!
مرض العقاد فى أخر حياته مرض الموت و كان يعانى مشاكل فى القلب و الكلى و المعدة و عندما عرض على طبيب قلب شخص حالته و كتب له داواء للقلب لكن العقاد عارض الطبيب ان هذا يدمر كليته و ان كليته لا تحتمل اصلا مثل تلك الادوية و اطباء الكلى كان دوائهم يضر بمعدته و امعاءه و رفض الدواء الموصوف و صارت حالته مشكلة بين الاطباء و اجمعوا ساعتها انه الاستاذ المريض حقا لأنه على دراية تامة بعلوم الطب و فنونه و انه يعرف حالته اكثر منهم و كل ما يقوله صحيح و بهذا فشلوا فى مساعدته علاجيا و تدهورت حالة العقاد فى اخر اسبوع و كان خلال هذا الاسبوع يأتى له تلامذته و مريدينه بانتظام يجلسون حوله و هو نائم يبيتون خارج غرفته ينتظرون منه اى قول و فى يوم تجمع العديد منهم فى بيت العقاد و كان منهم د.زكى نجيب محمود و انيس منصور فإذا بالاديب يوسف السباعى دخل عليهم و سألوه لماذا جئت فى مثل تلك الساعة فقال لهم انى رأيت أبي فى الحلم يأمرنى بأن اذهب للاستاذ و انتما تعلما كيف كان ابي يحب الاستاذ و انتظر تلامذة العقاد خارج غرفته ثم ذهبوا للنوم فى بيوتهم و بعدها أستيقظ العقاد و فاق من نومه بعد الشروف فذهب و دخل الحمام دون مساعدة من احد بعد اكثر من شهرين هو طريح الفراش بشكل دائم ثم ذهب الى مكتبته و اخذ المصحف و ذهب لسريره و مد ساقيه و فتح كتاب الله و امسك بالزجاجة ليشرب فسقطت منه و فارقت روحه الحياه و فى الصباح كان خبر موت العقاد فى يوم 13 من مارس 1964 بعد ان عاش 75 عام وهبهم للعلم و الادب و انارة العقول و النهاض بالأمة و بعد اعلان الخبر تجمع التلامذة و الاصدقاء و المقربين فى بيت العقاد و اتوا لهم بمستزمات المبت من غسل و كفن ,,,ودفن العقاد فى مدينة اسوان اعمالا لوصيته و يروى عن الاديب انيس منصور انه سمع من احد تلامذة الاستاذ الشيعة انه عندما ذهب للبيت بعد خبر الوفاه وقبل ان يتأتى المغسل أشم رائحة المسك و البخور كالتى تشم فى ضريح الامام الحسين بكربلاء و انها لا تكون الا فى بيوت الصالحين من آل البيت و قال ان العقاد يكفيه ما كتبه عن الامام علي و ولده الامام الحسين و فاطمة الزهراء ليدخل بهذ الجنه مع كبار العلماء!!
و بعد موت العقاد فتحوا خزنته فوجدوا مصحف اثرى قديم و قطعة سوداء من ستار الكعبة اهدت اليه و قطعة قماش ذهبية من مسجد كربلاء بعث بها ائمة الشيعة من العراق و قائمة بأسم الفقراء الذين يتولاهم العقاد .

بقلم كريم الراوى
المصادر : كتاب ( أنـا ) لعباس محمود العقاد
كتاب ( حياه قلم ) لعباس محود العقاد
كتاب ( الله ) لعباس محمد العقاد
كتاب ( فى صالون العقاد كانت لنا ايام ) لأنيس منصور

من اقوال العقاد رحمه الله :
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه...
كن شريفاً أميناً، لا لأن الناس يستحقون الشرف والأمانة، بل لأنك أنت لا تستحق الضعة والخيانة...
احب الكتاب لأن حياة واحدة لا تكفيني...
ما الارادة الا كالسيف يصدئه الاهمال ، ويشحذه الضرب والنزال

عباس محمود العقاد
علم من اعلام الفكر العربي
بقي خالد فينا من خلال مؤلفاته
والتي قرأها كل من أحب التعلم والثقافة
فهو منهل ونبع دائم الجريان

العقاد رحمه الله من اعمدة الفكر والثقافة
وهرم من اهرامات مصر العربية
وشكرا

بارك الله فيك اليمامة و صح لسانك
ان العقاد من القامات الشامخة فى الفكر و الادب العربي
و يستحق مننا كل تقدير و تبجيل
شكرا لك مرة اخرى على موروك الطيب

شكرا على مرورك الكريم اخى صدقى النجار
و بارك فيك و انفعنا بعلم العقاد و معارفه

نعم من عمالق الادب والفن والتاريخ
الاستاذ عباس محمود العقاد
وانا مع الرأي القائل مصر
انجبت كثير من رواد الفكر والسياسة بصورة عامة
ومناطق الصعيد المصري بصورة خاصة..
راجيا منك المزيد من المعلومات عن هذه الشخصيات
لكي لايغبن حقها معنا..
تــحــيـــــــاتـــي

بوركت عمى ابومعمر
و شكرا على ردك الكريم و مرورك العطر
و ان كان يقال بأن مصر ولادة فان الكثير
من الذين تفتخر بهم مصر و الامة العربية هم
من صعيدنا الشامخ و اعدك عمى ابو معمر بمحاولة
الكتابة عن مزيد من الشخصيات المصرية

» طلب هام الى سادة البو عباس
» الدكتور نهاد عباس الجبوري
» حادثة ترسيم حدود قبيلة الجبور
» الدكتور قحطان عباس نعمان الجبوري
» نسب عشائر البوطعمة: النساب عباس فهمي الجبوري