في تصريح مستفزٍ وخطير لوزير البنية التحتية الإسرائيلي "بنيامين بن أليعازر" قال فيه: إن أي هجوم تشنه إيران على إسرائيل، سيقابل برد "يؤدي إلى تدمير الأمة الإيرانية" ، وإن التدريب الذي تجريه إسرائيل الآن ضد حرب محتملة مع إيران وسوريا وحزب الله ليس "عبثيا"، وإنما يعبر عن مخاوف من نشوب حرب في المنطقة في أية لحظة.
تحليل: موسى راغب
إسرائيل ربما تجهز لحرب جديدة
وأكد بن أليعازر على ضرورة أن تكون إسرائيل مستعدة تماما لكل السيناريوهات المحتملة لتلك الحرب، كما حذر من أن إسرائيل ستواجه في الفترة القادمة أوضاعاً أصعب بكثير مما تواجهه اليوم. وقال إن البلاد ستقع برمتها تحت طائلة الصواريخ التي يمكن أن يطلقها حزب الله والتي تمده إيران بها إذا ما قامت تلك الحرب.
وبرغم هذه التحذيرات التي يبدوا أنها خلقت جواً من القلق والخوف بين الإسرائيليين، فقد حاول بن أليعازر التخفيف من أثرها حين قال: "إنهم (أي الإيرانيون) بكل تأكيد على علم بقوتنا (قوة إسرائيل)، لكنهم يستفزوننا بوساطة حليفيهم سوريا وحزب الله بتوفير السلاح لهما".
والوقع أن هذه التصريحات لم تكن الأولى من نوعها، فقد رددها رئيس إسرائيل شيمون بيريز ورئيس الوزراء إيهود أولمرت، وكلها تشير إلى قدرة إسرائيل على إزالة إيران من الوجود إذا هي قامت بهجوم على إسرائيل. وهذا يعني أن إسرائيل لن تتردد في استخدام السلاح النووي في ضرب إيران، إذا ما تعرضت لهجوم إيراني، تماما مثلما فعلت أمريكا في اليابان حين قصفت ناجازاكي وهيروشيما بالقنابل الذرية.
غير أن ما يلاحظه المراقب من معظم التصريحات التي يدلي بها المسئولون الإسرائيليون حول دور إيران في أي حرب قادمة، تقوم بين إسرائيل من ناحية وبين حزب الله وسوريا من ناحية أخرى، أنهم غالباً ما يلقون باللوم على إيران حين تفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في المنطقة، سواء على صعيد القضية الفلسطينية، أو محاولة التخلص من خطر حزب الله على حدود إسرائيل الشمالية.
فليس من شك أن إسرائيل أدركت حجم الخطر الذي يمثله حزب الله عليها، وبخاصة بعد فشلها في حرب تموز التي شنتها على لبنان عام 2006، والتي أخفقت في تحقيق أي من الأهداف التي كانت تتوخاها من تلك الحرب، إضافة للخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بها على مستوى المؤسستين العسكرية والمدنية، ونقل المعركة داخل الكيان العبري (لأول مرة) منذ إعلان قيامه عام 48، ما أدى لتدهور الروح المعنوية لدى الإسرائيليين العسكريين منهم والمدنيين بصورة غير مسبوقة.
والشيء ذاته يقال بالنسبة للفشل الذي يمكن أن تصاب به إستراتيجية أمريكا في المنطقة إذا ما ظل الوضع القائم على حاله، ونعني به تنامي قدرات حزب الله العسكرية، لدرجة أن حزب الله أصبح يمثل بالنسبة لأمريكا وإسرائيل الآن القضية الأولى في المنطقة. وهذا يعني أن الجهود المستقبلة التي ستبذلانها، ستنصب أولاً على سحق حزب الله من الوجود كلياً مهما كلفهما الأمر، لأنه يمثل – في نظرهما – العصا الغليظة التي باتت إيران وسوريا تهددان بها الكيان العبري والوجود الأمريكي في المنطقة.
وعلى الرغم من تشديد بن أليعازر على أن المناورات التي تجري حالياً "لا تستهدف تهديد أي من الدول المجاورة"، وبرغم تصريحات رئيس الوزراء إيهود أولمرت المتكررة بأن هذه المناورات لا تستهدف أحدا، وأن: دولة إسرائيل لا تتطلع إلى أية مواجهة عنيفة في الشمال"، غير أن بن أليعازر أعطى صورة لما يمكن أن تكون عليه إسرائيل في حال نشوب الحرب المتوقعة.
في هذا الإطار قال بن أليعازر: أتوقع في بداية الهجوم أن تتساقط مئات الصواريخ على إسرائيل، كما لن يكون أي مكان في البلاد بمنأىً عن الصواريخ والقذائف التي تطلقها سوريا وحزب الله.
والراجح أنه ليس في قناعة أي مراقب للأحداث في المنطقة، أن إسرائيل وأمريكا سوف تترك الوضع على حدودها الشمالية بل وكل مكان في إسرائيل، تحت رحمة الصواريخ الإيرانية الصنع التي يمكن أن يطلقها حزب الله في حال قيام حرب في المنطقة. والاستثناء الوحيد من ذلك، هو انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 67، وخروج القوات الأمريكية من العراق، ما يتعارض تماماً مع المصالح الحيوية لأمريكا وإسرائيل في المنطقة.

الأقنعة الواقية هل توفر الأمن لإسرائيل
وهذا ما يرجح استعداد أمريكا وإسرائيل – في أي وقت تريانه مناسباً - للقيام معاً بتوجيه ضربات عسكرية مكثفة، بهدف القضاء على حزب الله أولاً، ثم إجبار سوريا على التخلي عن سياساتها الحالية التي تتعارض مع الأجندة الصهيوأمريكية في حل قضايا المنطقة وبخاصة قضية فلسطين والعراق، وكذلك التخلي عن تحالفها مع إيران، وقيامها بوقف نشاط المنظمات الفلسطينية المعارضة المتواجدة في دمشق ثانيا، ثم توجيه ضربات قاسية لإيران تستهدف تدمير برنامجها النووي، ومنعها من امتلاك ناصية التكنولوجيا النووية السلمية وغير السلمية، إضافة لتدمير قواتها العسكرية وبنيتها التحتية والتحكم – ولو عن بعد – في إنتاج وتسويق النفط الإيراني ثالثاً.
قد يقول قائل: إن قيام أمريكا وإسرائيل بضرب إيران، هو درب من الخيال أو الجنون، إذا ما أقدمت الإدارة الأمريكية عليه، ذلك أن لدى إيران من الأوراق ما يمكنها من إيقاع خسائر فادحة في صفوف الأمريكيين والإضرار بمصالحهم في المنطقة، كما يمكنها من إيقاع تدميرٍ هائلٍ في المناطق الحيوية في إسرائيل، بما في ذلك مفاعل ديمونه في النقب.
ولا نعتقد بأن القارئ بحاجة لذكر هذه الأوراق بالتفصيل حيث تناولها الكتاب والخبراء بإسهاب. وحسبنا هنا أن نشير إليها بإيجاز، وأولها وقف مرور نحو ثمانية ملايين طن يوميا من نفط الخليج عن طريق إقفال مضيق هرمز، وثانيها ضرب القواعد البرية والبحرية والجوية الأمريكية المرابطة في بلدان الخليج ومياهه، وثالثها وقوع جنود الاحتلال الأمريكي بين فكي القصف الصاروخي والمدفعي الإيراني من ناحية، واحتمال قيام شيعة العراق بإشهار المقاومة المسلحة ضد الوجود الأمريكي في العراق في حال تعرض إيران لهجوم أمريكي من ناحية أخرى.
ومع ذلك، فإن سكوت أمريكا وإسرائيل بخاصة ودول أوروبا بعامة، على ما تطمح إليه إيران من مكانة قيادية في العالمين العربي والإسلامي، وبخاصة في منطقة الخليج، أمر تستبعده كل الحسابات، نظراً لخطورة هذا الأمر على المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة.
أضف إلى ذلك، أن إدارة بوش التي يسيطر عليها المحافظون الجدد - وبرغم المعارضة الشديدة لسياساتها داخل الولايات المتحدة وخارجها وبخاصة بالنسبة للعراق والمنطقة العربية بعامة - يبدو أنها ماضية في تنفيذ مخططها الرامي للقضاء على النظام الإسلامي في إيران، إضافة لاستمرار فرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة والتحكم في ثرواتها النفطية.
فهي ترى في النظام في طهران خطراً على إسرائيل بما يقدمه من دعم ومساندة لحزب الله وسوريا أولاً، ولأنه نظام إسلامي يمثل – في نظر المحافظين الجدد - خطراً يهدد قيم الحضارة الغربية ووجودها ثانياً، ولأن استمراره على هذا النحو يشكل خطراً جسيماً على إستراتيجية أمريكا الكونية الهادفة للتحكم في الاقتصاد العالمي عن طريق السيطرة على أكبر قدر من احتياط النفط العالمي الذي يتواجد منه في منطقة الخليج فقط نحو 60% ثالثاً. وقبل هذا وذاك، اعتبار بوش لإيران بأنها إحدى دول محور الشر التي يجب التخلص من نظام الحكم القائم في طهران. ومن المعروف أن هذه الدول تشمل "العراق وإيران وكوريا الشمالية".
والحقيقة أن هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى قيام وسائل الإعلام العالمية بالتمهيد لضرب إيران وحلفائها، منها ما هو مباشر مثل اتهام إيران بمحاولة تصنيع سلاح نووي، وإنها تمثل خطراً على الأمن القومي الغربي والسلام العالمي، كما تهدد وجود الكيان العبري في المنطقة. ومنها ما هو غير مباشر، كالحملة التي يشنها الإعلام الغربي على الإسلام ومحاولة إقرانه بالإرهاب، وحرصه على تفشي ظاهرة "الإسلاموفوبيا" بين المواطنين الأوروبيين والأمريكان .. ومن ثم اعتبار إيران التي يحكمها نظام إسلامي تصفه أمريكا بـ "المتشدد"، عدواً للحضارة الغربية يجب - بالتالي - التخلص منه.
ولو رجعنا لتصريحات الكثير من الجنرالات والخبراء العسكريين والاستراتيجيين الأمريكان منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر وحتى إلى ما قبلها، لوجدنا أن مخططات إدارة بوش والإدارات الأمريكية السابقة، تستهدف إسقاط النظام الإسلامي القائم في طهران.
وإذا كانت لا تستطيع القيام بغزو شامل لها على غرار ما فعلت في العراق، فإن خيالها المريض لن يمنعها من عدم الالتفات للخسائر التي ستقع – حتماً - في صفوف القوات الأمريكية المرابطة في العراق ومنطقة الخليج، إذا تيقنت هذه الإدارة، بأن شن حرب على طهران، سوف يحقق هدفها في إسقاط النظام الإسلامي فيها، والمجيء بنظام يسير في ركب السياسة الأمريكية وإستراتيجيتها في المنطقة.

صواريخ حزب الله تعرف طريقها جيدا
ولنا فيما يحدث لأمريكا في العراق، دليل لا يتداركه الشك فيما نقول. فبرغم إنفاق ما لا يقل عن ستمائة مليار دولار على الحرب في العراق، واحتمال تعرض الاقتصاد الأمريكي لحالة من الكساد نتيجة الاستمرار في الإنفاق على تلك الحرب ، وبرغم الأوضاع المروعة التي آل إليها العراق على كافة المستويات الأمنية والاجتماعية والخدمية، وبرغم الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها جنود الاحتلال الأمريكي في العراق .. فما زال بوش ورعيته يعلنون في كل مناسبة، بأن أمريكا حققت الكثير من أهدافها في العراق، وأن الوضع الأمني فيه في تحسن مستمر، وأن .. وأن .. إلى آخر "الأنات" التي تنطوي على تمنيات زائفة، ما برح هو وأعوانه يشنفون آذانهم بها، هم قبل غيرهم من المواطنين الأمريكان الذين ملوا سماع هذه الاسطوانة المشروخة التي يتبناها الحزب الجمهوري والمحافظون القدامى والجدد على حد سواء.
في ضوء هذه المعطيات، فمن المنطقي أن تقوم إدارة بوش بالتنسيق مع إسرائيل، بتوجيه ضربات عسكرية لإيران وسوريا وحزب الله (كحزمة واحدة) مهما كلف الأمر. ذلك أن ابتلاع إسرائيل لهزيمة جيشها "الذي لا يقهر" على يد مناضلي حزب الله، واستمرار تصلب سوريا في مواقفها القومية التي تستمد منها شرعية وجودها، وعناد إيران المتصاعد في ضرب كل تهديدات أمريكا وأوروبا والقرارات الأممية عرض الحائط (وآخرها إعلان أحمدي نجاد عن البدء في تركيب ثلاثين ألف جهاز للطرد المركزي الخاص بتصنيع اليورانيوم المخصب)، إضافة لتصريحاته الخاصة بعدم شرعية قيام الكيان العبري على الأرض الفلسطينية .. نقول: إن قبول أمريكا وإسرائيل بهذه الأوضاع وغيرها، أمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام.
فما تفعله إسرائيل اليوم، هو تهيئة الإسرائيليين – في حال وقوع الحرب المرتقبة - لتقبل الخسائر التي ستنجم عن القذائف الصاروخية والمدفعية التي ستطلقها سوريا وحزب الله وربما إيران على كل مناطق إسرائيل. وما تقوم به أمريكا من حشود لأسطولها وقواعدها البرية والجوية في بلدان الخليج، إنما يأتي – في اعتقاد المراقبين – في سياق الإعداد لتلك الحرب.
ونحسب أن إشعال أمريكا لها – قبل انتهاء ولاية بوش أواخر هذا العام - ضد ما تسميه بمحور "الشر" أو "المتشدد" أو "الراديكالي" أو سمه ما شئت، والذي يضم سوريا وإيران وحزب الله وحركة حماس .. هو أمر منطقي، ويتفق والمعتقدات التي يعتنقها بوش والمحافظون الجدد.
فقد سبق أن أعلن بوش أن الحرب التي تخوضها أمريكا والعالم الغربي ضد الإرهاب هي حرب صليبية، ما يعني أن الإسلام والمسلمين والعرب هم المستهدفون من هذه الحرب. والمحافظون الجدد ومن والاهم يريدون تدمير كل ما يمت للحضارة الإسلامية بصلة أولا، والسيطرة على منابع النفط في العالمين العربي والإسلامي ثانيا، وأخيراً وليس آخراً المحافظة على الكيان العبري ذي الطابع اليهودي الاستعماري الاستيطاني.
فإذا كان الأمر بهذا الوضوح، فكيف سيكون موقف العرب والمسلمين من كل ذلك؟؟؟