مفاجآت المقاومة الصومالية .. تزلزل إثيوبيا وأمريكا
المقاومة الصومالية تؤرق مضاجع إثيوبيا
يبدو أن تطورات الأحداث في الصومال لن تختلف كثيرا عن المشهد العراقي ، ففي الوقت الذي كان يعتقد فيه الاحتلال الإثيوبي أن الأمور ستستقر له ولحلفائه في الحكومة الانتقالية بعد طرد المحاكم الإسلامية في ديسمبر 2006 ، فاجأته المقاومة هناك سواء كانت محاكم أو قوى وطنية أخرى بضربات موجعة وحرب استنزاف كما تفعل المقاومة العراقية مع الاحتلال الأمريكي وكان آخرها الإعلان في 6 إبريل 2008 عن سيطرة المقاومة الصومالية على مدينة بلد التي تبعد 30 كيلو متر شمال العاصمة مقديشو.
محيط - جهان مصطفى
هذا الإنجاز يضاف لسلسلة أخرى من الانتصارات ، فقد سبق للمقاومة السيطرة في 31 مارس الماضي على بلدة بولو بورتي (200 كلم شمال مقديشو) ، بعد مواجهات دامية مع قوات الاحتلال الاثيوبي والقوات التابعة للحكومة الانتقالية قتل خلالها 11 جنديا ، وقبل أربعة أيام من السيطرة على هذه البلدة، قتل 4 جنود صوماليون في عملية شنتها المقاومة في مدينة جوهر (90 كلم شمال مقديشيو ) ، هذا بالإضافة لسلسلة أخرى من الهجمات كانت تقع في مقديشيو منذ ديسمبر 2006 وأشارت تقارير صحفية إلى أنها توسعت وامتدت أيضا خارج العاصمة في الأسابيع الأخيرة.
ولعل إلقاء نظرة على خسائر إثيوبيا وقوات الحكومة الانتقالية في تلك الهجمات من شأنه أن يساعد القاريء على رؤية الأمور كما هى على أرض الواقع ، فقد نقل موقع "عرب أون لاين" عن مصادر أمريكية وأوروبية أن المقاومة نفذت 241 هجوما ضد القوات الإثيوبية والحكومية و6 عمليات استشهادية خلال 2007 وأن قوات المحاكم الإسلامية تحصل على سلاحها عن طريق العدو ذاته حيث تهاجم مراكز الجيش والشرطة وتستولى على السلاح الموجود فيها، مشيرة إلى أن خسائر القوات الحكومية تقدر بحوالى 1409 قتلى وحوالى 3278 جريحا ، فى حين تقدر الخسائر الإثيوبية بحوالى 3059 قتيلا وحوالى 7492 جريحا.
ووفقا لتلك المصادر أيضا ، فإن المقاومة نجحت في دخول الحرب المكشوفة والمباشرة مع العدو أكثر من مرة بمساعدة القبائل والأهالى وتوسيع المدى الجغرافى للمعارك إلى 7 محافظات فى جنوب الصومال، والسيطرة أحيانا على بعض المدن أو القرى مؤقتا ولمدة غير قليلة أياما وأحيانا أسابيع ثم الانسحاب منها مع المحافظة على أسلوب حرب العصابات.
والأمر المثير للانتباه أن الخسائر طالت أيضا أمريكا ، ففي 29 مارس الماضي ، كشفت "سايت انستتيوت" وهي هيئة للمراقبة تتخذ من أمريكا مقرا لها عن سقود طائرة تجسس أمريكية قرب الساحل الصومالي ، مشيرة إلى أن جماعة جهادية صومالية تطلق على نفسها اسم حركة" المجاهدين الشبان" هى التي أعلنت مسئوليتها عن إسقاط الطائرة وهددت الولايات المتحدة بمزيد من العمليات في رسالة عبر الإنترنت ، قائلة :" إننا نعد لأمريكا.. ما سيجعلها تنسى الهجمات المباركة فى نيروبى ودار السلام".
ويبدو أن هناك في الولايات المتحدة من أخذ هذا التهديد على محمل الجد ، وظهرت هناك تحذيرات من عواقب استمرار الجيش الأمريكى في شن غارات جوية بالصومال بحجة ملاحقة أشخاص يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم القاعدة ومفجري السفارتين الأمريكيتين بكينيا وتنزانيا عام 1998.
وفي هذا الصدد نقلت جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية عن دونالد باين النائب في الكونجرس، وهو نائب ديمقراطي في الكونجرس الأمريكي عن ولاية نيو جيرزي ورئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية لشئون إفريقيا ، تحذيره من أن استمرار تلك الهجمات التي توقع ضحايا مدنيين كثيرين من شأنه دفع الصوماليين للالتفاف حول المقاومة أكثر وأكثر ، قائلا :"لقد فشلت السياسة ، إننا نحول مقديشيو والصومال إلى بغداد أخرى ،إننا نجعل الأفراد يشعرون بأننا نعاملهم بالطريقة الخاطئة وندفعهم بذلك إلى المزيد من المواقف المتشددة . الحكومة الانتقالية ستنهار مثل الحكومات الثلاث عشرة التي سبقتها ، أما الإسلاميون فإنهم يجندون المزيد من الجنود، ويجتاحون المدن، ويزيدون قوة إلى قوتهم ".
أمام الحقائق السابقة التي تبعث على الفخر ، تساءل البعض " ما أسباب عودة المقاومة والمحاكم الإسلامية بقوة ؟".
يكاد يجمع المراقبون أن ممارسات الاحتلال الإثيوبي هى السبب وراء عودة المحاكم الإسلامية بقوة ، فقد سيطرت القوات الإثيوبية على كل المنشآت الحيوية في الصومال وقامت بحراسة قصر الرئيس الصومالي عبد الله يوسف وانتشر تابعوها يفرضون إتاواتهم على السكان أينما حلوا، وضاع الأمن وانتشرت السرقات والقتل وخضعت المدن الصومالية لأنظمة حظر التجول من بعد صلاة المغرب وبثت الحواجز في كل طريق.
لمواجهة هذا ، توحد الشعب الصومالي خلف المقاومة حتى غدت حركات المقاومة تحوي شباباً لم يكونوا في يوم من الأيام ضمن الحركة الإسلامية، التي أفرزت قوات المحاكم الإسلامية ، وتشكلت تلك الحركات الجديدة من قوتين رئيسيتين، هما : جماعة الشباب المجاهدين، ولا يعرف على وجه الدقة مدى قربها من قوات المحاكم الإسلامية ، ويرأسها الشيخ مختار روبو أبو منصور، وتحالف تحرير الصومال، ويرأسه الشيخ حسن طاهر عويس.
حنين لزمن المحاكم
وهناك أمر آخر لاتخطئه العين في هذا الصدد وهو أن ماحققته المحاكم الإسلامية من نمو واستقرار ووحدة تحول بفعل الاحتلال إلى خراب ودمار، ووفقا لمصادر الأمم المتحدة ومنظمة "إلن" الحقوقية الصومالية فإن خلال 2007 كان هناك 14 ألف قتيل صومالى مدنى و1.5 مليون مشرد، بالإضافة إلى اتهام منظمة هيومان رايتس ووتش للقوات الإثيوبية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فى الصومال ، بجانب تحذير أربعين وكالة إغاثة محلية ودولية في 26 مارس 2008 من حدوث كارثة إنسانية وشيكة في الصومال ، حيث جاء في بيان مشترك صادر عن تلك المنظمات الإنسانية بما فيها منظمة " سايف ذي تشيلدرن" و"وولد فيزن" و "أوكسفام" و "إنترناشيونال ميدكال كوبس" أن الصومال يعاني من مشكلة النازحين الذين تجاوز عددهم مليون شخص، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتضخم والجفاف ، كما أن أعمال العنف المتكررة في العاصمة مقديشيو ترغم نحو 20 ألف شخص على النزوح من منازلهم كل شهر.
تلك الاحصائيات المفزعة حول خسائر الصومال بعد تدخل إثيوبيا ، جعلت هناك رغبة شعبية في عودة الأوضاع إلي ما كانت عليه خلال عام من حكم قوات المحاكم الإسلامية أي في 2006 ، والخلاصة أن عودة المحاكم بقوة باتت حقيقة مؤكدة ، الأمر الذي أثار مخاوف في الغرب من تحول الصومال إلى قاعدة إسلامية للمقاومة ضد أمريكا وحلفائها فى المنطقة ، بما يهدد نفوذ واشنطن فى القرن الإفريقى ويهدد النفوذ الإسرائيلى فى إثيوبيا، بل ويمثل تهديدا حقيقيا لإثيوبيا، لأن هزيمة إثيوبيا ستكون بداية لظهور قلاقل عرقية وطائفية فى إثيوبيا ذاتها، ناهيك عن احتمال عودة إقليم أوجادين الذي تحتله أديس أبابا منذ عام 1954 إلى الصومال الأم.
2024-04-22, 11:58 pm من طرف 
